أمثولة في بطولة الصمت

 رسالة الأب شربل كرازة وتعليم، ولكن ليس بالكتابة والأقوال، بل بالمثل والأعمال. روحانيته لا تقوم على الوعظ والتبشير، بل على قيمة حياتية. طاقة إنجيلية ذرّاتها فضائل، ولغتها أفعال خفية، أُعطي لها، في عين الله، إن تحوّر بصمتها في نواميس الوجود.

روى لنا الطيب الذكر الاباتي يوحنا العنداري، رئيس الرهبانية العام سابقاً، الحادث التالي:

"كنت لم أزل اخاً دارساً حين سعدت بزيارة الأب شربل في المحبسة. حالما رآني أتى إلي بلطف، ودعاني إلى الجلوس ومضى. وبعد لحظات عاد وفي يده كتاب مفتوح، دفعه إلي طالباً أن أقرأ بصوت عال. كان الكتاب سيرة حياة مار أنطونيوس الكبير. قرأت فصلا منه، ولما انتهيت، استرجع الأب شربل الكتاب وانصرف. تلك كانت طريقته في استقبال الرهبان."

ليس بينه وبين زائره شيءٌ أعلى وأجدى من توسط شخصٍ آخر، قديسٍ كبير، يكون لكليهما مثالاً أعلى. لم يوجه أيَّ سؤال. لم يُرد أن يعرف شيئاً عن الرهبانية وعن البلاد، وعن العالم. كان قد أصبح  نفساً حديثها مع الأزل. هذا السكوت المستمر، من أجل الله، إزاء المهام الدنيوية جميعاً، لفيه من العظمة والصمود ما يفوق إرادة الأبطال، ويوقف الملائكة أمام جلاله خاشعين.

من كتاب شربل سكران بالله