أغنى رجل في الوادي يموت الليلة!

Array

وقف رجل ثري في شرفة قصره وفي اعتزاز وكبرياء كان يتطلع إلى أراضيه المتسعة من كل جانب، حيث كان يملك الوادي كله. كان يقول في نفسه:
"إنها حقولي وأراضي... إنني أغنى رجل في الوادي."
بدأ ينطق بصوت عالٍ ما كان يفكر فيه الغني الذي ذكره السيد المسيح في مثل "الغني الجاهل":
"ماذا أعمل، الآن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري...!
أعمل هذا: أهدم مخازني وأبني أعظم وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي.
وأقول لنفسي:
"يا نفسي لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة.
استريحي وكلي واشربي وافرحي" لو 17/ 12-19.
ارتفع صوته في كبرياء وتشامخ...
لكنّه إذ كان يتطلع من هنا وهناك في وسط الجوّ الهادئ لاحظ أحد العمال الشيوخ جالسًا تحت شجرة بالقرب من الشرفة،
وقد علت على وجهه البشاشة والإبتسامة العذبة.
لقد فتح منديله الذي به القليل من الخبز اليابس وقطعة جبن صغيرة لكي يأكل في الظهيرة بعد العمل الشاق في حديقة الثري.
إذ كان الثري يشعر براحة كلما تحدث مع هذا العامل الشيخ حيًّاه من الشرفة، فرد العامل التحية.
- هل كنت تسمعني يا سام؟
- لا يا سيدي، فإنني لم ألاحظ أنك بالشرفة، وقد ذبلت عيناي وثقلت أذناي بسبب الشيخوخة.
- أراك مسرورًا الليلة يا سام.
- إني أشكر الله على عطاياه الدائمة لي يا سيدي.
- على أي شيء تشكره؟ الخبز الجاف وقطعة الجبن!
- نعم يا سيدي، فقد وهبني الله أبي طعامًا يملأ معدتي ويسندني على العمل، وثوبًا أرتديه، وسريرًا أنام عليه، وسقفًا فوق رأسي، الأمور التي هي أكثر بكثير مما كان لسيدي يسوع المسيح مخلصي وهو على الأرض.
- لكنني أعجب كيف تفرح بطعامٍ بسيطٍ كهذ!
- إلهي يعطيني عذوبة في فمي أتمتع بها وأنا استخدم عطاياه لي.
إن العذوبة التي أتذوقها هي عطيّة إلهية.
حَّول سام حديثه فجأة ليخبر مستأجره الثري بحلم رآه في الليلة السابقة:
"أريد أن أخبرك يا سيدي عن حلم شاهدته بالأمس.
حلمت إنني قد ارتفعت إلى السماء، ووجدت أبوابها مفتوحة.
رأيت المدينة العظيمة، أورشليم العليا وأمجادها لا يُعبر عنها.
إنني أعجز يا سيدي عن أن أحدثك عن جمال ما رأيته. لقد اشتهيت أن أمكث فيها...
والعجيب إنني سمعت صوتًا من الداخل يقول:
أغنى رجل في الوادي يموت الليلة.
وإذ صار هذا الصوت سمعت أصوات أبواق من السمائيين يسبحون ويرنمون.
آه! لقد استيقظت من نومي ولم أكن أريد أن أستيقظ.
لقد سمعت يا سيدي هذه الكلمات بكل وضوح،
وقد كنت أفكر كيف ألتقي بك لأخبرك بما رأيت وما سمعت."
صار وجه الثري شاحبًا، وقد حاول إخفاء مشاعره ومخاوفه،
لكنه تسلل من الشرفة إلى حجرته وأرتمى على كرسي قريب منه وهو يردد:
"أغنى رجل في الوادي يموت الليلة!
هل هذا مجرد حلم لعامل شيخ؟!
هل هي نبوة أو رؤيا إلهية؟!
هل هو انعكاس لمشاعر عاملٍ نحو أغنى رجل في الوادي؟
إنه شيخ محب، تقي وورع"!
لم تمض ساعات حتى شعر سام بارتفاع في درجة حرارته
وقد حاول أن يخفي مرضه حتى لا يثقل على أحدٍ. ازداد به المرض جدًا،
وصار الشيخ يردّد صلواته وينادى إلهه، وقد امتلأ وجهه بهجة.
إذ ساءت حالة سام جدًا أسرع زملاؤه باستدعاء طبيبٍ ليعالجه.
اهتم به الطبيب، وبينما كان الطبيب يسامره ويلاطفه روى سام للطبيب الحلم الذي رآه.
فضحك الطبيب وقال له: "لا تخف فإن صحّة أغنى رجل في الوادي سليمة ولا يموت الليلة؟"
وفي ساعة متأخرة من الليل سمع الثري جرس الباب يضرب، وإذ خرج ليفتح وجد عاملاً يعتذر له:
"آسف يا سيدي، سام قد مات، ونحن نعلم أنك تحبه، ونحن نسألك ماذا نفعل؟"
ذُهل الثري لما حدث، وصار يردد في نفسه:
"أغنى رجل في الوادي يموت الليلة. نعم لقد كان سام في نظري فقيرًا للغاية،
لكنه في عيني الله أغنى رجل في العالم. كان غنيًا في الإيمان، اقتنى غنى السماء الذي لا يُقدر بثمن، وتمتع بالحياة الفائقة.
ظننت في نفسي أنني أغنى رجل في الوادي، لكنني اكتشفت من هو الغني.
الآن ارجعي يا نفسي إلى إلهك واقتنيه فتقتني كلّ غنى.