"يسوع يسكّن العاصفة" - الأخت ماري انطوانيت سعاده

 "يسوع يسكّن العاصفة"
"فيه، منه، معه وإليه"
دير سيدة النور فيطرون
رياضة روحية 5 –6 ت1 /2002
الأخت ماري انطوانيت سعاده

مرقس 4/35 
"يسوع يسكّن العاصفة":

مقدّمة:

يسوع الصديق، رفيق الطريق يأتي إلينا ليخاطبنا ويلمسنا في أعماقنا، في داخلنا، ويحرقنا حتى نشعر به.
يسوع المسيح، ليس شخصاً ولا عقيدة نقرأها في الكتب ونتعلمها. وطالما هو كذلك يبقى خارجاً عن قلبنا وكياننا،ً غريباً عن مسيرتنا مهما حاولنا أن نمشي معه. وعندما أعود إلى عملي سأكون أنا في طريق وهو في آخر!!! أمّا إذا دخل يسوع حقيقةً في حياتنا كالجمرة وحرقنا، كل شيء سيذكرنا به ويردّنا إليه.
الرياضة الروحية هي من أجل هذه "اللّطعة" الإضافية، من أجل أن يكون هناك لقاء شخصيّ حميم مع الربّ يسوع. من الضروري أن يحصل هذا اللقاء خلال هذه الرياضة وعندها تتم العجائب الحقيقيّة والداخليّة، تتم شفاءاتنا ورغباتنا ولقاؤنا مع الربّ ومع الآب بواسطة الروح القدس. فارغبوا في هذا الوقت بلقاء خاص مع الرب حتى تتمكنوا من الذهاب من هنا بطعمة جديدة ليسوع المسيح.

مرقس 4/35 ... "يسوع يسكّن العاصفة":
كان يسوع ما زال في الجليل في البحر وجاءه بعضهم من أورشليم وبعض الفريسيين يسألونه من أنت. وكان يسوع حتى ذلك الحين يكلمهم بالأمثال وطلب من تلاميذه العبور إلى الشاطىء المقابل. ماذا يوجد في الشاطىء المقابل؟ المدن العشر. فقد كانت بحيرة طبرية تفصل بين جهة أغلبية سكانها من اليهود، والجهة المقابل كانت تعتبر للوثنيين. والعابر الى الجهة المقابلة كان يعتبر كالتارك الى مسكن للشياطين.
"فتركوا الجمع وساروا". فيسوع لا يريد أن يعبر وحده. هو بحاجة إلى سفينة احدهم للعبور، الى مَن يقود السفينة به والى مرافقين.
وعندما أصبحوا في عرض البحر، (البحيرة وكانوا يظنونها مسكن الشياطين)، عصفت عاصفة قوية جداً وظنّوا أنهم يغرقون، فخافوا خوفاً شديداً، وكان يسوع نائماً في مؤخرة السفينة، فأيقظوه وقالوا له يا معلم... بمعنى أين أنت؟ كيف تتركنا؟ ألا يهمك أمرنا؟ ألا تشعر بنا؟... استيقظ وجهر البحر وقال له أن يسكت فسكت. وبعد أن سكّنَ العاصفة توجه إلى التلاميذ ولقنهم درساً: أإلى الآن؟"
أي طوال هذه الفترة التي قضيتها معكم، هذه الرفقة وهذه المتابعة "أإلى الآن لا تؤمنون؟" آنذاك خافوا خوفاً شديداً وقال بعضهم لبعض من ترى هذا؟ هذه الخبرة بيّنت لهم جهلهم لحقيقة يسوع، ومعرفتهم الناقصة له فهناك أشياء كثيرة لم يختبروها بعد فيه. وعندما سألهم يسوع في مكان آخر: "من تقول الناس اني أنا هو؟" كان يسأل عن رأي كلّ واحد من التلاميذ به.
"أنت ماذا اختبرت فيّ، ماذا تعرف عني؟ من أنا بنظرك؟ من هو هذا الذي يستطيع السيطرة على عناصر الطبيعة؟ من أنت يا يسوع؟" هذا هو السؤال الذي يجوز اليوم: "من أنت يا رب؟ أخبرونا عنك كثيراً ولكن اليوم من أنت؟" هذا السؤال مهم جداً، أن يبقى يسوع يقول لكم من أنا بالنسبة لكم؟ الى أن تحرق الجمرة الغافرة التي هي يسوع أعمق مكان فيكم وهو القلب.
في هذا النص، كان يسوع في قعر البحر وسكّن العاصفة، وهنا تظهر أول سيطرة له على عناصر الطبيعة. ثمّ وصل الى الشاطىء المقابل (مر5/1-21)، الى المكان الخالي من الإيمان. المكان الفارغ الذي سمح للشياطين بالتغلغل والتفشي حتى أصبحت جيشاً عظيماً.
"وصلوا الى هناك". جاء يسوع الى هذا المكان من أجل هذا الرجل فقط. اضطر الى الانتقال الى المدن العشر فقط من أجله. ومن هو؟ رجل لا اسم له ساكن قبور، والقبور عادة مسكن الأموات، وهي تعني النجاسة عند اليهود والديانات القديمة. هو إنسان ميت وصل الموت به الى اقصى حدود. هذا الرجل مستبعد لدرجة ان عبوديته أقوى من السلاسل. يقول لنا الانجيلي ان حالة هذا الرجل مزرية لدرجة أنها تستدعي مجيء يسوع إليه ليردّ له اعتباره وإنسانيته وحريته.
"فلما شاهدَ يسوع عن بُعدٍ. أسرعَ وسجدَ له وصاحَ بأعلى صوته: "ما لي ولكَ، يا يسوعُ ابنُ الله العليّ؟ استحلفكَ بالله، لا تعذّبني!" لأنّ يسوع قال له: أيها الروحُ النجسُ أخرج من هذا الرجل!...".
جاء يسوع خصيصاً ليطرد الروح النجس "أخرج منه" ثمّ سأله عن اسمه ليسيطر عليه. ففي الكتاب المقدس، تسمية الأشياء تعني التسلّط عليها. وعندها جاوبه الشيطان أنّهم جيش وجحافل. نرى يسوع في هذا النص منهمكاً بعملية جراحية بطيئة تذكّرنا بمسيرتنا البطيئة معه.
واحتال الشيطان على يسوع وطلب منه أن يذهب الى الخنازير. والخنازير بنظر اليهود نجسة وبما أنها نجسة فلا ضرر من أن ترمى في البحر كما ورد في سفر الرؤية عن رمي التنين في قعر البحر وتقييده بالسلاسل حتى تتلاشى سلطته على بني البشر. "فغرقت الخنازير في قعر البحر." فهرب الرعاة وراحوا يخبرون أهل المدينة بما جرى. وعند وصولهم وجدوا الإنسان الممسوس لابساً لباس الاعتبار والكرامة والإنسانية، صحيح العقل، معافى. ولشدّة خوفهم "أخذوا يسألون يسوع أن ينصرف عن بلدهم". كان خوفهم أكبر من طاقتهم، فلم يتجرأوا على التقرب منه. ونرى يسوع المسلّط على المياه والعواصف والبحر، يسوع الذي حارب الشياطين، ينصرف عنهم تلبيةً لرغباتهم. هذه هي روعة يسوع الذي يجب أن نتعرف عليها. يسوع ابن الله القدير يقف عاجزاً أمام حريتنا. وخبراتنا الروحية تكشف لنا عدم ثباتنا، فنحن نستقبله تارةً ونرفضه مراراً. بكل طاعة واحترام ورهافة حس، يبقى يسوع واقفاً على الباب يقرع إلى أن نتذكره ونسمح له بالدخول.
لكن يسوع لن يتركهم في خوفهم وجهلهم، فقد ترك خميرة تبشر عنه وتمهد له الطريق إلى أن تأتي الساعة من بعد الموت والقيامة. علامة مروره بهذه الأرض النجسة تركت البركة والخير، تركت الإنسان حراً والناس مخلّصين وليس فقط الممسوس بل جميع الموتى الذين كانوا مهددين بالنجاسة. هذا الرجل أصبح مبشراً جديداً.

خلاصة هذا الموضوع:
نحن أعزاء على قلب يسوع. "أنت كريم في عينيّ". يسوع يبقى معنا أينما نذهب، في العمل، في البيت،... أينما ذهبنا سيجدنا المسيح.

سؤال شخصي؟
أين نحن بالنسبة إلى يسوع؟ هل نحن بعيدين أم أننا اختبرنا محبة يسوع حتى موته لأجلنا؟ هل اختبرنا ذلك بشكل حياتيّ أم أننا نقرأه فقط في الكتب؟ "مات من أجلنا وقام". يسوع يستطيع أن يتبعنا كالخروف الضال. أينما ذهبنا، يسوع يبقى ساهراً علينا ويتبعنا. "هل أنا كريم في عينيه؟" ما هي قيمتي بالنسبة ليسوع؟ هل اختبرت كم يحبني؟ اختبرت كيف يترك العالم كلّه ويأتي خصيصاً من أجلي ويهمس في أذني؟
يسوع يحمل كلمة لكلّ واحد منّا، ويُسمعنا إياها في أعماق قلوبنا. آمين.