تفسير لقرار مجلس المطارنة حول المناولة باليد

المناولة باليد رسالة المطران ميشال عون

صدر عن راعي أبرشيّة جبيل المارونيّة المطران ميشال عون شرح لقرار مجلس المطارنة الموارنة حول إعطاء المناولة باليد، جاء فيه:

"أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء،

بالعودة إلى قرار مجلس الأساقفة الموارنة، بشأن إعطاء المناولة باليد كتدبيرٍ مؤقّت إلى حين انتهاء ظاهرة الكورونا، أريد أن أوضح بعض المعطيات اللّاهوتيّة والكنسيّة، لقبول هذا القرار بسلام وبروح الطّاعة والمحبّة للكنيسة وللإخوة.

1 – إنّ التّناول باليد ليس أمرًا مستحدثًا بل هي العادة الأقدم في الكنيسة كافّةً، ويتكلّم عنها معظم آباء الكنيسة في عظاتِهم التّعليميّة للموعوظين. وأستشهدُ هنا بِنَصّين من القدّيس كيرلّس الأورشليميّ وثيودورس أسقف المصيصة.

عن كيفية تناول القربان الأقدس في القدّاس، يقول القدّيس كيرلّس الأورشليميّ (+ 387): "وعندما تقترب، لا تتقدّم باسط اليدين والأصابع منفردة، ولكن إجعل من يدك اليُسرى عرشًا ليدِك اليمنى، لأنّ هذه ستتقبّل الملك، وفي راحة يدِك تقبَّل جسد المسيح قائلاً: "آمين". وبعد أن تلمس عينيك بهذا الجسد المقدّس لتقديسِهما، تناول. وأحرص على ألّا يسقطَ جزءٌ منه على الأرض لأنّك إذا أسقطتَ جزءًا منه فكأنّما يُبتَر منك أحدُ أعضائِكَ".

بكلام مماثل يشرحثيودورس أسقف المصيصة (+428) كيفيّة تناول القربان الأقدس: "حينئذ يقترب كلّ واحد منّا ونظره منخفض ويداه منبسطتان. يبسط المؤمنُ يدَه اليُمنى ليقبل فيها القربان المُعطى له ويضع تحتها اليُسرى، وهذا يدلّ بذلك على احترام عظيم... يُعطي الكاهن القربان وهو يقول: "جسد المسيح" فتقول بعده: "آمين". أمّا أنتَ فحين تقبل الجسد في يديك، تسجد له وتعترف بسلطان من هو في يديك... وبمحبّةٍ فائقة تضعه على عينيك وتُقبّله وتستقبله في فمك".

إنّ اكتشاف هذه النّصوص الآبائيّة في المجمع الفاتيكانيّ (1965) هو الّذي قاد آباء المجمع إلى إعادة إحياء هذه الطّريقة القديمة في الكنيسة الغربيّة. ويبدو واضحًا من النّصّين الاحترام المفروض في تقبُّل القربان، والانتباه الشّديد لعدم إسقاط أيّ جزءٍ صغيرٍ منه على الأرض. لذلك يفترض على الكهنة إعطاء هذا الإرشاد للمؤمنين، والطّلب منهم أن يضعوا القربان في الفم أمام ناظرَي الكاهن وبكلّ احترام وانتباه.

2 –إنّ هذا التّدبير هو مؤقّت ويأتي كتعبيرٍ عن المحبّة تجاه بعضنا البعض. لقد اختبرت الكنيسة على مرّ العصور أنّ قوتَها تأتي من وحدتِها ومن وقوف الأقوياء في الإيمان إلى جانب إخوتِهم (راجع روم 15/ 1). فإذا كان لنا إخوةٌ كثيرون في حالة خوفٍ من انتقال عدوى المرض إليهم، فيجب علينا أن نلاقيهم في مخاوفهم ورغبتهم في الوقاية. ولذلك نطلب إلى أبنائنا المؤمنين الالتزام بهذا التّدبير والقبول به بروح المحبّة الأخويّة، لاسيّما وأنه يرتكز على أساسٍ لاهوتيّ قديم وعلى تقليدنا المارونيّ الّذي نجد له أثرًا واضحًا في ترتيلة الشّكر بعد المناولة: قد أكلتُ جسدَك المقدّس لا تأكلني النّار؛ وعيناي الّتي مُسّت به رحمتك تُبصِر.

3 – أمّا للّذين يعترضون على هذا القرار مُعتبرين أنّ في ذلك تقليلاً من احترام القربان الأقدس فأقول: إنّ الاستعداد الرّوحيّ، ونقاوة القلب، والتّوبة الصّادقة هي الّتي تؤهّلنا لاستقباله كما يليق به. فالإيمان بقيامة الرّبّ، الثّابت والمُختبَر، هو في أساس شوقِنا لاستقباله في قلوبنا، ولا يتزعزع بالطّريقة الّتي نتناول بها جسده المقدّس.

4– لطالما كانت الطّاعة أساسًا للإيمان والشّاهد الأكبر عليه. هذه الطّاعة، الّتي نتعلّمها أوّلاً من المسيح الّذي أخلى ذاته وأطاع حتّى الموت على الصّليب (فيل 2/ 7-8)، أصبحت في صلب الوصايا الكنسيّة الّتي نجدها في رسائل القدّيس بولس والرّسائل العامّة: "أطيعوا رؤساءكم واخضعوا لهم، لأنّهم يسهرون على نفوسِكم" (عب 13/ 17). لذلك أطلب منكم أيّها الأبناء والبنات الأحبّاء، أنتم الملتزمين بإيمانِكم المسيحيّ، أن تستقبلوا هذا التّدبير بالطّاعة الّتي تليق بالمؤمنين، لأنّ الرّبّ ينظر إلى طاعة القلب ويُكافئُنا على الرّحمة الّتي نحملُها في قلوبنا تجاه الآخرين.

ليبارككم الرب وليَحمِ الجميع من كلّ مكروه ومرض".