شربل حكاية الله

إنّ أفضل طريقة لسرد حكاية الله هي الصمت والتأمل لأنّ الكلام لا يستطيع أن يَصِف أو يُخبر عمّا هوَ فوق إدراك البشر. فإنّنا مَهْما أَجَدْنا وصفَ طعمَ العِنب أو التفاح، أو أي شيء آخر يبقى كلامنا كلّه تشابيه لا يعطي الطعم الحقيقي. فأفضل طريقة للمعرفة هي التذوّق. إنّ اختبار الله هو الطريق الوحيد للدخول في سرّه وتذوّقه. وهذا ما يَدعونا إليه مار شربل. فكلّ ما كُتب عن مار شربل يبقى وصفاً خارجياً لحياته ولا أحد أبداً يعرف ماذا كانَ يعيش في داخله إلّا إذا تذوّق شيئاً منَ الذي كان يعيشُه من خلال التأمّل بحياته.

نبدأ باسم "شربل": أقدَم إسم لشربل هوَ من الأشوريّة وهو إسم مركّب من "شار" ويعني الحامي و"بال" او "بعل" ويعني الإله. فشربل يعني "الإله الحامي" في الأشورية، وهو كان إسم إبن الإلهة "عشتار" في مدينة "اربا إيلو" أي مدينة الآلهات الأربعة. عندما انتشرت المسيحيّة في مدينة الرها، تحوّل فيها رئيس كهنة الوثنيين إلى المسيحيّة وكان اسمه شربل واستشهد في عهد الامبراطور تريانوس. في الآرامية "شربثو دذيل" تعني حكاية الله أصبحت "شربت إيل" ثم "شرب إيل" فأخيراً "شربل": حكاية الله.

نتأمل الآن بحياة القديس شربل من خلال:

الخلوة، الصمت، الصلاة والتأمل، التقشف والزهد، عشق الله: المسيح في القربان، الحياة المريمية، الفرح والمحبة: الاتحاد بالله

الخلوة:
نتأمّل شربل في المحبسة: وِحدَة وظلام دامس في الخارج ونور من السراج ومن بيت القربان من الداخل. فإما الدخول في النور والصعود نحوَ الله أو الهرب إلى الظلام الخارجي.

نحنُ اليوم نَختار الهروب الى الخارج حيث تخدعنا أنوار ظلمة العالم.

نتأمل الآن بحياة القديس شربل من خلال:

الخلوة، الصمت، الصلاة والتأمل، التقشف والزهد، عشق الله: المسيح في القربان، الحياة المريمية، الفرح والمحبة: الاتحاد بالله

الخلوة:
نتأمّل شربل في المحبسة: وِحدَة وظلام دامس في الخارج ونور من السراج ومن بيت القربان من الداخل. فإما الدخول في النور والصعود نحوَ الله أو الهرب إلى الظلام الخارجي.

نحنُ اليوم نَختار الهروب الى الخارج حيث تخدعنا أنوار ظلمة العالم.

الصمت:
الصمت الحيّ وليس صمت الفراغ القاتل ليتلقّف أي همسة من الله. صمت مليء من الشغف بيسوع المسيح والشوق لسماع صوته.

الصلاة والتأمل:
حوار دائم مع الله، مناجاة الله من خلال الوقوف الدائم في حضرته ومحادثته واكتشاف عظمته وضعف الأنسان، تنمية الإنسان الباطني مثل ضخ المياه الصافية في داخلنا لنُخرج المياه الملوّثة إلى الخارج.

التقشّف والزهد والإماتات:
ترويض الميول والأهواء من خلال ترويض الحَواس وتدجين الجسد. إخلاء الذات كلّياً للإمتلاء من الله، المحبّة. وهوَ يتدرّج من التطهّر إلى التنوّر إلى الإتّحاد الكامل بالله (على مثال المتصوّفين الكبار أمثال تيريزا الأفيلية ويوحنا الصليب...)

عشق الله في القربان:
كان يشعر أنّ القربان هوَ جزءٌ منه. تواصل دائم بين الله الذي يملؤه وبين حضور الله الحقيقي في القربان. كان يتّحد بالمسيح في القربان فيصبحوا واحداً ويعيش النشوة الروحيّة التي كانت ترفعه من هذا العالم.

الحياة المريمية:
القائمة على الصمت والحفظ والتأمل بسرّ الله. وعلاقته بمريم كانت تمرّسه بهذه الحياة وتعمّقه فيها فهوَ تلميذ مدرسة مريم.

كلّ ذلك من أجل بلوغ الاتحاد بالله: المحبّة والفرح.

ننظر إلى واقعنا اليوم لنستخلص الدروس والعبر، فنحن نعيش في عالم الخارج، فنهتم بالظاهر ونُهمل الباطن نمتلئ من الخارج ونفرَغ من الداخل. نهرب من النور الداخلي إلى الظلام الخارجي حيث الأنوار الخدّاعة والضوضاء والضجيج، نضجر ونملّ بسرعة ولا نصبر فنحن دائماً مستعجلون راكضون، لاهثون، لا وقت لدينا للحياة الحقيقيّة نبتعد عن المثابرة ونخاف من الإلتزام ونعيش بعدم ثبات وقلة استقرار ونتخبّط في الداخل والخارج. نحن كائنات بشريّة نخضع لجاذبيتين: جاذبية العالم الذي يشدّ التراب الذي فينا إليه، وجاذبيّة الله الذي يشدّ روحنا إليه. فإذا ثقُل التراب فينا جَذَبَنا العالم أكثر إليه، وإذا كبُرَت الروح فينا إنجذبنا أكثر إلى الله.

يدعونا مار شربل اليوم الى اليقظة الروحيّة والدخول إلى العمق. فكلّ واحد منّا هو "حكاية الله"، هو حكاية من حكايات الله للبشريّة. فالله يخبر حكاية جديدة  للبشريّة من خلال كلّ واحد منّا. فعلينا أن ندخل بعلاقة معه، نختلي به، نصمت، نُصغي إلى صوته يُخبرنا عن حكايتنا الشخصيّة، نتقشف، نرتفع، نتحرّر من القيود الفانية لنمتلئ من الله، من المحبّة والفرح الحقيقي ونتذوّق طعم الله ونغوص في سرّه وهناك الحياة الحقيقيّة.

من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
"اثبتوا على سفينة الرب، لا تخافوا من العواصف ومن الموج العالي. ولا تخلّوا السفن الفخمة والمريحة تغريكم تا تطلعوا فيها لأنّها ما بِتوَصِّل. اهتمّوا بالوصول أكثر من إهتمامكم بالرحلة. ولا تخلّوا أعماق البحر تِسحِركُن وتِجذِبكُن إلهَا تا تغطسُوا فيها. بحر هالعالم تا تعبرو عليه مش تا تغطسو فيه."

صلاة:
يا شربل يا أبانا القديس إقبلنا عيلتك، إجبلنا جبلتَك، ورافقنا في مسيرتنا إلى قلب الله، علّمنا كيف نسير بخطوات ثابتة على خطى يسوع، كما سِرتَ أنتَ، علّمنا كيف نجاهد مثلكَ كلّ يوم فنعرف الكنز ولا نعود نلتفت إلى الوراء، فنكسب ونربح وننتصر كما أنتَ فعلت، فنُسبّح معك الله الآب والإبن والروح القدس الى الأبد. آمين.

مع ريمون ناضر - تموز 2016 - سنة الرحمة