التوبة وخيار الله - الأب هادي محفوظ

الأب هادي محفوظ

 الجمعة 18 كانون الثاني 2002

عنايا – التلمذة مع الأب هادي محفوظ

الموضوع:    "التوبة وخيار الله"

                                                          

(هذا التعليم منقول عن التسجيل الصوتي، لهذا هو اقرب الى اللغة العامية).

 

باسم الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد آمين.

عددكم يفرح الليلة، بالرغم من الجليد، هذا يدل على التزام جميل جداً، وعلى ارتباط بالمكان ومحبة الصلاة فيه.

اؤكّد لكم فرح الدير ورهبانه بالإلتزام وبطريقة هذا الإلتزام والصلاة الدائمة قرب مار شربل. نحن بحاجة دائماً لنتذكر البعد الروحي بحياتنا.

 

اولاً:   اهميّة البعد الروحي اي الخيار الأول بحياتنا، وهو الله.

من هنا فعل التوبة او معنى التوبة، وهو ليس بمعنى العودة عن الخطيئة فقط، ولكن بالعمنى الشامل الذي يتجسّد بأول مرحلة،بالخيار، أي أنا اخترت الله، تُبتُ عن كلّ شيء ممكن أن يبعدني عنه. من هنا تأخذ حياتي معناها الأساسي، ويصبح كل ما اعمله بالحياة يتدرج من هذا الخيار الذي اخترته بالإيمان. أنا اؤمن فيك يا الله، اخترتك انتَ لا غير، انت خياري الأول والوحيد. ولكن  ننتبه هنا من خطر التطرّف... فالتطرّف ليس موقفاً مسيحيّاً. الموقف المسيحي الصحيح هو انّي اخترت الله، ومن خلال خيار الله صار كلّ ما اعمله في حياتي له معنى اذا اندرج من هذه القيمة، الله هو الأول بحياتي. بعد الإختيار الأولّي، خيار الله، كل الخيارات الأخرى تندرج في اول خيار. نحن المؤمنون خيارنا خيار مفرح فيه اقدام مغامرة ومثابرة، فيه بهذه الحياة مطبّات ممكن ان تبعدني عن الله. يمكن ان يغريني المال او المادة وتبعد الله عنّي، وممكن ان تغريني الوظيفة او المكانة الإجتماعية او السلطة المعنوية او الإجتماعية، او الدينيّة. كل هذا ممكن ان يجذبني، ويبعدني عن خياري الأول. اي ابتعد عن الإيمان ان الله هو الأول ومنه تندرج كل الخيارات الأخرى. انا كمسيحي اخترت الله وعندها كل ما اعمله يكون من خلال هذا الخيار. جميل ان نذكّر انفسنا كل يوم بهذا الخيار.

 

ثانياً:   ثاني مرحلة من التوبة. بعد ان نختار الله نمشي معه الدرب. هنا تتفاوت الإختبارات حسب الظروف والإرادة وغيرها... على هذه الدرب، وانا أمشي احياناً أخطيء، الخطيّة تبعدني عن الله، ولكني اراه، اعرف اني خطئت، واعرف انّي أعيش بحماه، ولكن دراما الشرّ ممكن ان توقعني بخطأ لا أريده... كمايقول القديس بولس "الشر الذي لا اريده اعمله والخير الذي اريده لا اعمله..."، عبّر عن صراعالمؤمن الذي اختار الله وتأتيه صعوبات ومشاكل ومشاغل من مال او مجد عالمي يخنق هذه الكلمة لفترة. ولكن هنا الإنسان الذي عمل خياره الأولي ويعيشفي حمى الله، لا يصدّق كيف يعود اليه، وهنا فعل التوبة. وهذا ما يتكرر بالإعتراف، عندما اقع واخطئ،أُحب أن أعود إلى الربّ. ولا شكّ أن التوبة ترافق الإنسان كلّ حياته وهو بحاجة دائماً  ليعود الى الله، يجدّد خياره الأول، يعود كلما خطيء. كل القديسين عاشوا هذه المرحلة، وكل مؤمن يعيش هذه المرحلة، كلّ واحد منّا ممكن أن يُخطيء، لكن المهم أن نكون قد عملنا خيارنا الأولّي.

 

ثالثا:   التوبة من خلال الأعمال. عندما اقول إني تائب، وإني اخترت الله واعود اليه دائماً، لا اتصرف بشكل سيّء تجاه أخي الإنسان أو تجاه المادة... التوبة تظهر بأعمال محسوسة وملموسة، لهذا تأخذ التوبة معناها الشامل في حياتي. أنا اخترت أن أعيش مع الله، أعود إليه دائماً، وأفيض خيراً على الآخر... اعمل عمل صالح، كلمة نسمعها وكأنها شيء قديم لا يتماشى مع العصر، لكن محطات التوبة لها معنى وقيمتها ان العمل الصالح الذي نعمله يترجم نوعيّة حياة، وخيار حياة كامل وشامل. المؤمن الحقيقي يجعل من اعماله نتيجة لإيمانه، ولخياره الإول.

أنا اخترتك يا ربّ، ومن خلالك كلّ القيم الأرضيّة ادعها تدخل بخياري. لما اقول اني احب أن انجح، وافرح بعمل، هذه اشياء مشروعة، لكن شرط ان نضعها بقلب علاقة حلوة مع الله. اعرف انّه يريدني ان اكون معه اولاً، فاعرف اتفاعل معه وهو يعرف ما يُعطيني.

من هنا ضرورة فعل التوبة، ارجع دائماً الى الله، لا اخاف ان اظلّ معه واعمل اعمالاً صالحة.

نحن اليوم بالآحاد الثلاثة الباقية ننهي زمن الدنح، ننهي مرحلة من زمن جميل جداً، احياناً يغيب عنّا، لأنه يأتي بعد زمن احتفلنا فيه باحتفالات صخمة، بدء السنة الطقسيّة والميلاد ورأس السنة وثم وجود الربّ في الهيكل والغطاس، وبعدها يبداً زمن هادئ، الدنح، فترات مثل هذه تجعلنا نفتش بعمق عن مغذّي إيماننا. الدنح – الظهور، مثل يسوع المسيح البداية في عيد الميلاد ثم ظهر، فلنقل انه عندنا نحن ايضاً بداية ثم نظهر امام العالم مع هذه المواعيد الإيمانية. هنا الظهور يجب أن يجعلنا نفكّر أننا قادرين ان نجمّع كل الزخم الروحي الذي نمتلئ منه ونظهره للآخرين، فلنعي انّه يجب أن نظهره الآن وقبل الغد.

إذاً الدنح يذكرنا بظهور المسيح، وأيضاً بظهورنا للآخرين. بأعمال صالحة تكون نتيجة لخيار الله.

أتمنّى أن نلتزم اكثر في حياتنا المسيحيّة. ونقول نحن اخترنا الله ولن نسمح لأي شيء أو لأي إنسان أن يجعلنا نختاره بدل الله. وفي قلب هذا الخيار الكبير، الله يعرف اننا ضعفاء، فلا نخاف من خطيّتنا، بل لنرجع نتوب ونعترف، ونَظهر بأعمالنا الصالحة التي تنتج عنها خيرات كثيرة.

انشالله ربنا يرافقنا ومار شربل يكون دائماً معنا.     آمين.