"وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الله الآب" - أيار 2013 - ريمون ناضر

مفهوم مجد الرب نراه في الصعود. صعد الى السماء – جلس عن يمين الآب.
قام: لمجد الله، حياة جديدة. وهذا ما نحن مدعوّون له. تحوّل من حالة بشرية الى حالة إلهية.
صعد: صورة تعطيها الكنيسة ثلاثية الابعاد، لكي نفهم لأننا نعيش في مكان. الصعود ليس في البعد الذي نفهمه. الصعود هو انفصال، هو حالة.
 
في مرقس ولوقا، نقرأ عن الصعود، ونرى أنه هذا حدث في نفس وقت القيامة.
وفي نفس الوقت نعود ونقرأ في اعمال الرسل الذي ايضاً كتبه القديس لوقا أنّ الربّ صعد بعد اربعين يوماً. إذاً الحدثين صحيحين، هناك صعود غير منظور صار مع القيامة وصعود منظور حدثَ بعد ان أمضي الرب فترة مع الرسل يعلّمهم، يفسر لهم الكتب، لكي يقدروا على الفهم. يرافقهم ثم يرتفع عنهم، يصعد.
في هذا الصعود المنظور، نتوقف على الرسولين في ثيابٍ بيضاء، يقولان للرسل، لماذا تنظران بعد الى السماء،"إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذي رُفِعَ عَنْكُم إلى السَّمَاءِ سَيَأْتي كَمَا رَأَيْتُمُوهُ ذَاهِباً إِلى السَّمَاء!". سيأتي على سحب السماء.
إذاً سحابة ظللته وانفصل عنهم وسيعود في سحاب. والسحاب أو الغمام هو حضور الله في الكتاب المقدس. الغيمة الأولى ظللّته ليصعد، وبالثانية سيأتي. وبين الأولى والثانية ماذا؟
بين الغيمتين: زمن الكنيسة، زمني أنا، فما هو المطلوب منّي؟
صعد، ارتفع، وارتفاع يسوع ليس كما نفهمه بمفهومنا البشري إلى مركز أعلى، يسوع ارتفع اولاً على الصليب، هذا هو ارتفاع يسوع، ارتفع جذب إليه كلّ الناس. مجد بدأ بالصليب، تتوّج بالجلوس عن يمين الآب. جلس على عرشه السماوي، وهذا ليس مكانًا، بل حاله، واليمين هو قوّة الله، يسوع القائم هوَ السيّد مع الله على الكون.
يسوع الذي تجسد، حمل جسد الإنسان، مات، قام، وعاد الى مجد الله، لم يعد كما نزل، بل حمل معه هذا الجسد، وبهذا الجسد يكون قد حمل معه كل إنسان، اصطحب معه الإنسان. وبدخوله دخل كل انسان مجد الله. حلم آدم وحواء لم يتحقق بتدابيرهم وكبريائهم، حلم الإنسان ان يصير مثل الله، تحقق بيسوع، بالطاعة حتى الموت. وانت لتدخل مجد الله تحقق الحلم بالطاعة وليس بالتمرّد.
 
القديس بولس يتكلم بأفسس، ان يسوع صعد ليملأ الكون. نحن البشر نظن ان جسدنا جزء من الكون ونحن نمتلكه كليّا.  Pierre Teilhard de Chardin (وهو فيلسوف وكاهن يسوعي وجيولوجي فرنسي توفي سنة 1955)يقول أن جسمي كلّ الكون وأنا امتلكه جزئياً.يسوع بقيامته بهذا الجسد الممجّد صار على وسع الكون لان الله يمتلك الكون. ونحن ايضا بدخولنا بمجد الآب مع يسوع نصير بملء الكون ولا يعود الإنسان محدود.
نحن في هذا العالم محدودين بمحدودية المادة بجسدنا لكن بقيامة يسوع تتفجر هذه المحدودية.
هذا الجسد الذي حمله يسوع هو الذي بنى فيه علاقات وتواصل مع البشر، فيه رآنا ولمسنا وتكلّم معنا واستمع الينا. هذا الجسد كما هوَ، مجّده، وانا اتألّه بروحي وجسدي. انا كلّي اتقدس بكلّ ما فيّ. جسدي هيكل الروح القدس. ولما ظهر للتلاميذ قالوا لهم المسوني جسّوني. حمل الجسد الممجّد.
 
ومن هنا صرنا نفهم أكثر أهميّة مريم العذراء وما معنى تقديسها  بجسدها، هي التي دخلت بالطاعة مجد الله بيسوع ابنها.
 
نعود إلى الرسل، على الجبل، ينظرون الى السماء، يتأملون مجد الله، يغوصون في مشهد الصعود. ويأتي الشاهدان ليردوهم الى الأرض. لا تبقوا على الجبل تتأملون، انطلقوا للعمل.
هذا زمن الكنيسة بين الغيمتين، هو زمن التحرر. لتتحضروا للغيمة الثانية، اذهبوا اعملوا العمل الذي طلبه يسوع: "مهما فعلتم لإخوتي هؤلاء الصغار لي فعملتموه".
إذاً مراحل ثلاث ترافق تحولنا: المشاهدة، نشاهد مجد يسوع، ثاني مرحلة، نقف نتأمل، نميّز، والمرحلة الثالثة ننطلق للعمل. العالم بأمس الحاجة الى شهود، العالم يتألم، يحترق يمشي في النار. وانا لا استطيع أن ابقى على الجبل أشاهد واتأمل.
فعند المسيحي كل سنة هي سنة يوبيليّة، سنة رضى عند الله، لأن كل شيء تم بالربّ يسوع.  نحن صرنا حضور يسوع في العالم.
المجد يبدا بالارتفاع. نرتفع لنجذب الناس. هذا لا يصير بالكلام والوعظ. هذا يصير بارتفاعك على الصليب. لاتقدر ولا مرة ان ترفع العالم أعلى منك، هكذا يقول مار شربل. ترتفع أنت اولاّ، تدخل مجد الأب وتطيع حتى الموت. هذه الالوهية التي أنت مدعو لها. تبذل ذاتك عن احباءك. دعوتنا كبيرة لهذه الدرجة. اذا لم تذهب الى هؤلاء الصغار لن تذهب الى أي مجد مع الله.
صعد إلى السماء. نفرح به وفي نفس الوقت نعرف مسؤوليتنا، زمن الكنيسة زمن الروح القدس، كلّ مَن آمن بالقيامة كلّ من تعمّد بموت وبقيامة يسوع هذا دوره. زمنه للعمل لتكون السنوات الآتية سنوات رضى لله.
 
السؤال: "مشاهدة، تأمل، عمل. ماذا نعمل لتكون كل الأيام سنة رضى لله. بين الغيمتين ماذا تصنع؟ أين أنت؟ ما زلت تتأمل بالصعود أم نزلت إلى أخاك الإنسان؟ وصلاتك وتأملك إلى اين يأخذونك؟
 
مراجع للتأمل: قولوس 3/ 1-4 ، 1/ 17 ، روما 1/ 3فيليبي 2/ 6 ، اعمال 2/ 32 ، الفصل الأول كله. يوحنا 3/ 14-17  اعمال 5/ 30 افسس 1/ 17-23 ،  4/ 9 ،  2/ 4-6 ،  اشعيا 58/ 5-10 سنة رضا: خروج 23،  تثنية الاشتراع 15، الأحبار 25. الصعود: مرقس 16/ 19 لوقا 24/ 51 .
 
من الإختبارات:يقول القديس شربل: "الانسان مش تراب وماء حدوده الارض، الانسان مخلوق كوني حدوده نور".
 
صلاة: أشرق النورُ على الأبرار والفرحُ على مستقيمي القلوب. يسوع ربُّنا المسيح أشرق لنا من حشا أبيه فجاء وأنقذنا من الظلمة وبنوره الوهاج أنارنا إندفق النهارُ على البشر وانهزم سلطانُ الليل من نورِه شرق علينا نور وأنار عيونَنا المظلمة.عمِل خلاصًا ووهب لنا الحياة وصعد إلى أبيه العليّ وإنه آتٍ بمجد عظيم ينيرُ العيونَ التي انتظرته.