الصلاة, مع الأب المدبر أيوب شهوان, نيسان 2014

كلّما التقيتُ عيلة مار شربل، أعيش حضور القديس شربل الراهب البسيط المؤمن إلى أقصى حدّ...

موضوع الصلاة موضوع وجوديّ وليس نظرياً. حيث المؤمن هناك الصلاة، وحيث الصلاة هناك الإيمان.

من العهد القديم إلى مار شربل ونحن، لوحات نتأمل بها تُرشدنا وتعلّمنا.

الصلاة تَخلُق البُعد الرائع من الإتحاد بالله والوحدة. ففي كلّ مرّة أرتقي بصلاتي نحوَ الله الآب والإبن الحبيب بالروح، أصعد إلى مستوى راقٍ من التقدّم الرّوحي، وأتّحد بذات الفِعل مع ذاتي، وألتقي معَ إخوتي والكنيسة.

الصلاة في العهد القديم: الوجه المشرق من حيث الصلاة والعبادة والسجود والعيش في حضرة الله، هو وجه موسى: قال لله كلمة رائعة: "أَرِني وجهكَ". لا يقولها إلّا الذي دَخَلَ في علاقة حُبّ مع الله. هو رجل الصمت والتصوّف والعبادة والصلاة. إرتقى إلى الجبل ليحمل شعبه. المصلّي لا يصلّي لأجل ذاته بل يحمل الذين يُحبّهم. 

وقبله أيضًا إبراهيم، حَمَلَ الشعب وتشفّع بهم... هذا نراه في حياة كلّ الأنبياء والملوك الأتقياء الذين صلّوا من أجل الشعب.

وفي العهد القديم، صلوات رائعة ذات طابع جماعي وفردي. صلوات أُمّة سَكَبَ الله فيها من روحه وقداسته. فعاشَ مَن كتَب المزامير البُعد العلائقي مع الله ومع الشعب، كتبها إنسان مُلهَم وقدّيس، عَرَفَ كيف يُحوّل أماني الناس وأوجاعهم إلى صلوات.

المزامير هي صلوات شعب الله في العهد القديم.

النبيّ داود هوَ الذي أَطلَقَ الأدب المزموري، كان قارئًا جيّدًا لحياة الشعب، صلّى وصرخ واستغاثَ وسبّح ومجّد... وهي ليست فقط صرخة إستغاثة من أعداء الخارج، لكن أيضًا من داخل الإنسان. داود ضَعُفَ، سقَطَ، خطِئ، كذَبَ وقتلَ... وصَرَخَ لله ليخلّصهُ من ذاته. 
إذاً في المزامير لوحات كثيرة رائعة والذي يقرأ ال 150 مزمور يرى نفسه أمام مرآة، فيها كلّ أوضاع الإنسان، الروحية السامية والمحقّرة. والمزامير أيضًا هي في قانون الحُبساء، فيجب على الحبيس أن يقرأ المزامير كلّها في خلال 24 ساعة وهذا ما كان يفعله القديس شربل.

ونرى أيضًا في المزامير عُصارة العهد القديم، فتدفعنا إلى قراءته. ففيه نرى عظمة الله وخلقه وغفرانه، ونرى ضُعف الإنسان ومسيرته مع الله... نرى مسيرتنا. 

في العهد القديم لم تكن الصلوات كلها فقط طلبات وتسبيح وتمجيد، بل يلفتنا شيء بالغ الأهمية، أنه مع كل صلاة كان يرافقها شُكر. قبل أن يَحصل المُصَلّي على طَلَبِه يَشكُر. الصلاة بدون ثقة تبقى كالصّنج الذي يطنّ والنحاس الذي يرنّ. لا نفع لها.
نقرأ مثلاً في سفر أيّوب، خسرَ كلّ شيء بعد أن كان غنيًا بأولاده وممتلكاته وخدّامه، خَسر ولم يَكفُر، بل بقيَ على ثقته، بقيَ يسبّح الله، لانّه كان رجلاً بارًا مصلّيًا. 

وفي العهد الجديد نتعلّم من ربّ الكون، المعلّم. فيهِ جُمِعَ العِلمُ كلّه وأول ما نتعلّم منه: الصلاة.
مار بطرس قال عنه: "مَرَّ يسوع يصنع الخير". وكلام بطرس يختصر كلّ عمل يسوع على أرضنا. عملَ خيرًا، سارَ قُدوةً أمام تلاميذه، خيرات جسدية ملحوظة رائعة، شفاءات وتعليم... وكلّ هذا الخير انسَكَبَ في موقفه الدائم ألا وهوَ الصلاة. الصلاة حاضرة في كلّ ما عَمِلَ، وقبل كلّ عَمَل.
ونحن يلدنا يسوع كل يوم من جديد، نحن في حالة تتلمُذ دائمة، وهذا لا يكون فقط بالنظريات، فعالم اليوم مليء بالمعلومات، والمعلومات لا تصنع منّا تلاميذ. أجدادنا، حملوا نير المسيح على أعناقهم بكل فرح، واظبوا على الصلاة والقدّاس، أسّسوا عيالاً واستمروا ولم يخافوا شيئًا لأنهم كانوا يصلّون، والذي يصلّي لا يخاف، كانوا تلامذة حقيقيّين دون أن يعرفوا القراءة.
لم يشكّوا، والذي يشكّ يغرق كما غرق بطرس عندما مشى على الماء، الذي يشكّ يعيش في القطيعة مع الله ولا يكون في حالة صلاة إطلاقاً.

يسوع تعلّم الصلاة مع والديه مريم ويوسف، وقبل أن ينطلق في رسالته العلنيّة، إختلى للصلاة في البريّة بَعِيداً عن ضجيج العالم. دَخَلَ في علاقة حميمية مع الله، هناك في البريّة، حيث الوحوش والشياطين، تكثُر التجارب والجوع والعطش، لكن لا يهمّ... نتعلّم منه، نريد أن نكون كالشجر المغروس على مجاري المياه، كالأرز الشامخ، كحبة القمح المليانة، لا كالقشرة تأخذها الريح كما تشاء.
والربّ يسوع صلّى أيضًا في نهاية حياته الأليمة في وقت المحنة، صلّى في بستان الزيتون، وسأل تلاميذه أن يُصَلّوا معه، صلّى على الصليب، كلّ حياته، وصولاً إلى قمّة الجلجلة، الى أعلى الصليب، كانت صلاة.
لهذا كتب كاتب الرسالة إلى العبرانيين وقال "وهُوَ الَّذي في أَيَّامِ حيَاتِهِ عَلى الأَرْض، قَرَّبَ بِصُراخٍ شَدِيدٍ ودُمُوع، صَلَوَاتٍ وابْتِهَالات، لِلقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ المَوت، فَاسْتُجيبَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاه." وكيف استجيب طلبَهُ؟ بالقيامة.
يسوع إذاً مدرسة لنا من حيث عيش الصلاة، ليس فقط في وقت الراحة، لكن أيضًا في كل الظروف وفي نفس الثقة.
وتلاميذه اقتدوا به، حملوا الرسالة، والقدّيس بولس عبّرَ وقال "لا شيء يفصلني عن محبّة المسيح..." كلام قويّ ورائع بثباته بالمسيح في وقت المحنة. هذه الثقة التي في ربّنا غُرِسَت في نفس الرسل والتلاميذ والتلميذات وكثيرون استشهدوا في سبيل الكلمة. لم يخافوا لأنهم كانوا في حالة صلاة وثقة كاملة.
من هذا المُنطلق لا نتعجب إن رأينا الجماعة المسيحيّة في أول الكنيسة مواظبة على كسر الخبز والصلاة، لم يسألوا عن شيء. انكبّوا على الرسالة ولم يكن بينهم محتاج...
والقديس بولس مُلفِت بحياته، إستولى عليه المسيح، وقبض عليه. 
هو مختار من الله، من لحظة رأى النور، لحظة في طريق دمشق انقلبت حياته وصار ليسوع المسيح. "إن عشتُ أو متُّ فللمسيح".
هذا نتيجة حياة روحية عميقة، نتيجة صلاة متواصلة وقال: "الويل لي إن لم أُبشّر". هو إناء مختار، بقيَ بهذه العلاقة الحميمة مع يسوع يقتدي به بالصلاة.
"أنا صُلِبتُ مع المسيح" تحمّل مع يسوع المسيح، بالمعاناة بالجوع والخطر والجلد، لم يَخَف قال عندي رغبة شديدة في أن أكون مع المسيح. ولأنه كان يعيش بُعد التواضع الكبير، لم يكن كالفرّيسيّ الذي صَعِدَ إلى الهيكل يتباهى، بل عاش الصلاة الحقيقيّة، بإتّضاع كلّيّ، وكان يفتخر فقط بآلام يسوع. 

يسوع في البريّة بين الوحوش كان الأقوى، والقديس بولس في بريّة هذا العالم بين وحوش هذا العالم هو الأقوى بقوّة يسوع الذي كان يقوّيه. سَكَبَ الرّب يسوع قوّته وثقته في قلبه المتواضع.
"إذا كان الله معنا فمن علينا". واجه العالم ولم يَخَف ولم يفصله شيء عن محبة المسيح.
كل هذا أوصلهُ إلى تأسيس الكنائس، مجّدَ الله وشكرَهُ وحَمَدَهُ كلّ الوقت وإذا طَلَبَ كانت طِلبَتَهُ دائماً من أجل الذين آمنوا ليصيروا هم أيضا مبشّرين ومُسَحاء.
في تاريخنا أمثلة كثيرة من قدّيسين وقدّيسات إقتدوا بالمسيح وكانوا رجال ونساء صلاة.
لهذا نحن عيلة مار شربل، نتّبع مار شربل، بالرّوح حيث نلتقي بالله الذي كلّما إرتقينا إليه، كلّما نزلَ إلينا.

السؤال: "من بين كل الوجوه التي استعرضناها، وخاصة وجه المعلّم الأول يسوع، الذي حياته كانت صلاة وصلاته حياة... هل أقتدي به؟ فأثبث بالصلاة والثقة في كل أوقات حياتي وخاصة في وقت المحن والألم؟". أشارك بإختبارات حياة.