الكنيسة علامة تجسّد الله في العالم - مع المونسيور يوسف سويف

رياضة روحيّة عيلة مار شربل
مع المونسيور يوسف سويف – عنّايا
السبت 8 كانون الأول 2001

(ملاحظة: الموضوع منقول عن التسجيل الصوتي لهذا هو اقرب الى اللغة العاميةّ).

الموضوع: "الكنيسة علامة تجسّد الله في العالم".
باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد، آمين.
الله معكم،
"الكنيسة علامة تجسّد المسيح في العالم".
أنطلق من قراءة نص من رسالة مار بولس إلى أهل فيليبّي وهو القسم الأول من الموضوع. ونتوقف ثانياً على التجسّد بحياتنا، سرّ تواضع المسيح ومحبّته. وثالثاً الكنيسة علامة التجسّد الدائم بقلب العالم.
تقرأ نص رسالة القديس بولس إلى اهل فيليبّي الفصل الثاني من الآية 1 إلى 11.
"فإن كان من عزاء في المسيح، ومن هناءٍ في المحبّة، ومن مشاركة في الروح، ومن حنان ورأفة، فتمّموا فرحي بأن تكونوا على رأي واحدٍ ومحبّةٍ واحدةٍ وقلبٍ واحدٍ وفكرٍ واحدٍ، منزّهين عن التحزّب والتباهي، متواضعين في تفضيل الآخرين على أنفسكم، ناظرين لا إلى منفعتكم، بل إلى منفعة غيركم. فكونوا على فكر المسيح يسوع:
هوَ في صورة الله،
ما اعتبر مساواته لله غنيمة له،
بل أخلى ذاته
واتّخذ صورة العبد
صار شبيهاً بالبشر
وظهر في صورة الإنسان
تواضع، أطاعَ حتى الموت،
الموت على الصليب،
فرفعه الله
اعطاه اسماً فوق كلّ اسمٍ
لتنحني لإسم يسوع
كلّ ركبةٍ في السماء
وفي الأرض وتحتَ الأرض
ويشهد كلّ لسان
أنّ يسوع المسيح هوَ الربُّ
تمجيداً لله الآب".

1- أحاول أن اشرح بإيجار هذا النص تقسيمه وإطاره.
هي النقطة الأولى في حديثنا. بهذه الآيات الأولى من 1 إلى 4، دعوة إلى الوحدة والتواضع الشخصي ونلاحظ من خلال هذه الآيات إن مار بولس يرسم الحاجة الملحّة لأهل فيليبّي، ليعيشوا الوحدة والشراكة الأخوية العميقة بقلب الكنيسة. وهذا ناتج عن خلافات بقلب الكنيسة نابع من أسباب أساسيّة حاول مار بولس أن يظهرها بهذه الرسالة.
أ) أول دافع: يؤكّد أنّه نحن كمؤمنين، كمسيحيين نجد في شخص يسوع المسيح كل الدوافع وكل التشجيع الكافي لعيش الوحدة، والإنقسام الذي يطال الجماعة المؤمنة، يعني أن هذه الجماعة رفضت تصميم يسوع.
ب) ثاني دافع: عيش الوحدة والشراكة في قلب الجماعة هو أن كلّ الأشخاص الذين تعرّفوا على الحبّ مدعوين أن يعيشوا ويغمّوا هذا الحبّ إلى الآخرين.
ج) ثالث دافع: أساسي يدع الوحدة تترسّخ بقلب الجماعة المؤمنة هو الروح القدس الذي قبلته الجماعة، هو روح واحد ويجعل الجماعة قلباً واحداً وجسماً واحداً وروحاً واحداً.

وطبعاً بالنهاية التعرّف على الرحمة والحبّ الإلهيين يحمل الجماعة المؤمنة على إظهار هذا الحبّ والرحمة وعيشهم وتجسيدهم مع الآخرين.
بإطار النص الذي يوجه بولس إلى اهل فيليبّي، يكتمل فرح بولس لما يرى أهل فيليبّي يعيشوا بانسجام ووفاق وتفاهم. وينبّههم بولس على التباهي والمجد الباطل العدُوّان للشراكة الأخويّة، الذي يمنع الجماعة من تحقيق وتجسيد الوحدة. فإذاً العَدُوّان التباهي والمجد الباطل يمكن تخطّيهما بموقفين واقعيين يركز عليهما بولس.
اولاً تفضيل الآخر على الذات، موقف روحي بأن يرى بالآخر كل العطايا والنعم، يعترف بوجود الآخر بمواهبة وقوته ويقر هذا المؤمن بضعفه البشريّ وسقوطه ومحدوديته. والموقف الثاني هو أن يعترف المؤمن بمنفعة الآخر، المنفعة من حضورة ووجوده ويفضّل منفعة الآخر على منفعته الشخصيّة.

نتابع من الآية 5 – 11: يتابع مار بولس عرض على أهل فيليبّي مثل لعيش هذه الوحدة والشراكة. هو كان يعالج مشكلة اساسيّة وهي الإنقسام بهذه الجماعة. وهو الآن يعطيهم المثل الأعلى والأسمى يسوع المسيح. لذلك مار بولس يشهد بنشيد، وهو ترنيمة مسيحيّة قديمة كانت تنشدها الجماعة المسيحيّة بلقاءاتها وصلواتها. استند بهذا النشيد المسمّى "النشيد المسيحاني" ليعطي مثل للجماعة التي تعيش الإنقسام.
أ) يتوقف بهذه الآيات على شخصيّة يسوع المسيح، وطبعاً من خلال هذه الآيات نحن نتعرّف على شخصيّة يسوع، وبهذه المرحلة الأولى من النشيد مار بولس يعرض مجد وعظمة المسيح قبل تجسّده. هو صورة الله.
ب) المرحلة الثانية من النشيد يضع بولس الخطوات الثلاث التي جعلت يسوع وهو صورة وكلمة الله أن يتواضع. ويسوع أخذ خطوات ثلاث بادر إلى تحقيقهم.
1- يسوع صورة الله تخلّى عن مجده.
2- يسوع تصرّف كعبد وليس كربّ البشر مع أنّه ربّ البشر.
3- يسوع بتجسّده بإخلاء ذاته أخذ طبيعتنا البشريّة.
ج) والمرحلة الثالثة بهذا النشيد يرسم نزول المسيح إلى الأعماق لأنّه باتضاعه ليصير إنسان عاش حياة طاعة كاملة. "تواضع وأطاع". بتواضع المسيح وصل إلى الطاعة. وأي طاعة هيَ، الطاعة حتى الموت، وأي موت، الموت على الصليب.
د) المراحل الأخيرة ( 4-5-6) من هذا النشيد، تتويج، نرى بولس يشير إلى الآب الذي رفع يسوع، رفعه بسبب تواضعه وبسبب تقدمته وتضحيته. وأعطاه الإسم الذي يفوق كل إسم. وهنا الإسم له أهميّة كبيرة باللاهوت، فهو لا يعني انّه اعطاه صفة جديدة ولكن لكي يدلّ هذا على سلطة يسوع وهو الضابط الكل سيدّ الحياة والموت سيّد الخلائق كلّها. يستشهد بولس بنبوءة حزقيال التي تنطبق على شخصيّة يسوع : "اعطاه اسماً فوق كلّ اسمٍ لتنحني لإسم يسوع كلّ ركبةٍ في السماء وفي الأرض وتحتَ الأرض".

ونرى بالختام ان مار بولس يعطي اوّل إعلان إيمان وهو أن يسوع هو الربّ. هذه كانت اقسام النشيد الأساسيّة ليكون هو موضوع رياضتنا الروحيّة التي هيَ:
"الكنيسة علامة تجسدّ الله الدائم بقلب العالم".

2 - تجسّد الله هو سرّ التواضع والمحبّة:
يشير مار بولس بهذه الرسالة "كونوا على فكر المسيح يسوع" ونحن بهذه الرياضة مدعوين أن نكون على فكر المسيح يسوع، بالرياضة شق تعليمي، ولكن شق ثاني هو ابعد من هذا وهو أن اتخلّى عن تفكيرى الخاص وأدخل بعمق وحميميّة مع فكر المسيح. لأنسجم مع فكر المسيح. هذا الوقت لكل واحد منّا بمسيرته الشخصيّة، لنرجع نضع فكرنا على طبق أمامنا، نفحص ضميرنا ونرى إذا كان فعلاً فكرنا يطابق فكر المسيح "فكونوا على فكر المسيح". هذا التجسّد الذي نعيشه، منذ الفي سنة هو حقيقة "الكلمة الذي صار جسداً وحلَّ فينا، ابصرنا مجدَهُ مجدَ وحيدٍ منَ الآب".
التجسّد هو حقيقة يسوع المسيح، كلمة الله المتجسّد، الذي فيه ومن خلاله رأينا الله. نتذكر عظة الجبل "طوبى لأنقياء القلوب فإنّهم يعاينون الله".
في المسيح ومن خلاله رأينا الله. لكم متى نراه بصورة دائمة وشخصيّة "طوبى لأنقياء القلوب" لأنّه بدون نقاوة القلب نوهم انفسنا أننا نرى الله، فنكون نرى كل شيء ما عدا الله، نرى الصورة التي نحن رسمناها عن الله نرى اشغالنا وانفسنا. نحن بهذه الرياضة اتينا لنرى الله، لرؤية ومشاهدة وجه الله وجه المسيح. يسوع هو الذي اخبرنا عن الآب وكشف لنا إرادته ومشروعه، هو الذي أعلن لنا ملكوت الآب السماوي، من خلال يسوع نحن نرى كل مشروع الملكوت. يسوع هو صورة الله، هو ايقونة الله، فعندما نرى يسوع نرى الله الآب ورؤية يسوع هي أن اتعرّف عليه إن انظر إليه. أنا اليوم مدعو أن أنظر إلى مَن نظر إليَّ وأحبّني، أي أن أتعرّف على المسيح، معرفة حقيقيّة عميقة شخصيّة، أن أقيم معه، أن أسكن معه، لأنّه هو الذي يُقيم معنا، هو الذي يقرع باب حياتي كلّ يوم وكلّ ساعة، هو يأخذ مبادرة دائمة ومستمرّة أن يقيم معنا أن يمكث معنا. أن أراه أن اتبعه، يعني أن أحبّه، مثل زكا الذي تسلّق على الجمّيزة، لأنّه كان يتوق أن يرى الله، أن يتعرّف على الله، أن يغيّر حياته. وكم نحن بحاجة حقيقةً لنرى كيف نحن نرى المسيح. هل يا ترى أنا عشت اختبار رؤية المسيح بطريقة قويّة بحياتي، جعلت منّي أن آخذ قراراً جديداً، أن أختار خيار الحياة. هذه هي رؤية المسيح. يسوع هو صورة الله. ومن خلال يسوع أنا أرى صورة الله فيَّ، في داخلي. المسيح أعطاني هذه القدرة والإمكانية لأرى صورة الله فيَّ. ومع المسيح أرى صورة الله التي رُمّمَت، جُدِّدَت وأُعيد إليها بهاؤها الأول. هي قبل التجسّد صورة تمزّقت تشوهت وتخدّشت وصورة تلطّخت بفساد الخطيئة والموت ولكن مع المسيح صار عندنا امكانية ان نرى صورة الله الحقيقيّة. لذلك من أجل تجديد الصورة أرسله الآب، أرسل ألآب ابنه الوحيد ليجدّد فيّ صورته. أرسل الآب صورته، ابنه ليجدّد صورته في ابنائه، فيَّ، في الإنسان. "في ملء الزمان ارسل الله ابنه مولوداً من امرأة"، إرادة الآب الخلاصيّة تلاقت مع إرادة الإبن "الذي ما اعتبر مساواته لله غنيمة بل اخلى ذاته". فعل قوي، هذا هو الميلاد، التجسّد، هذه هي الرياضة. اخلى ذاته، تخلّى عن ذاته عن مكانته، هذا الكلمة التي كان عند الله والذي هو الله تخلّى عن مجده، واتخذ صورة عبدٍ. صورة الله تصبح صورة عبد وهنا يكمن عمق التجسّد.
صورة الخالق تتحد بالصورة الضعيفة. والخالق يصير عبداً ليحرر العبد ويعيد إليه حريّة ابناء الله.
صار شبيهاً بالبشر وظهر في صورة الإنسان "الكلمة صار بشراً".
الله صار إنساناً صار عنده اسم "عمانوئيل" الله معنا، صار بتاريخنا، دخل بحضارتنا، دخل بحياتنا، معنا وفينا وبيننا وهو شبيهنا بكل شيء ما عدا الخطيّة.
هذا التجسّد الحدث هو سرّ التواضع، فالمتكبّر منّا والمتباهي بشخصيته وقصصه وبنفسه والملآن من ذاته ومن أفكاره والمتشامخ لا يرى الله، لا يعرف الله ولا يلتقي بالله ولا يدخل في سرّ تجسّده. الآن كل واحد يرجع لنفسه، فأنا لا يمكن أن أرى الله ولا ادخل بروحيّة التجسّد، التجسّد هو أن يفرغ الإنسان من ذاته، يخليها ليملأها بالله، التجسّد هو أن اجعل مني مسكن لله واجعل من حياتي موطئ قدميه، فيصبح الإنسان ارضاً مقدّسة. وعندما أخلي ذاتي وأملأها بالله أُصبح فعلاً هيكلاً، انتم هياكل الروح القدس، نحن هيكل الله.. نحن نصبح عرش لهذا الملك السماوي، فالآب تواضع والإبن تواضع وقال لنا: "تعالوا إليَّ ايها المتعبون والمثقلوا الأحمال وتعلّموا منّي فأنا وديع متواضع القلب تجدوا الراحة لنفوسكم".
واليوم عيد الحبل بلا دنس، امامنا امنا مريم، فهي تقول: "تعظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي انزل المتكبّرين عن الكراسي ورفع المتواضعين" المتواضع يملك مع الله، المتواضع يملك قلوب الآخرين. إن التواضع ليس هو انحناء وليس إشارات خارجيّة، يمكن أن يكون الإنسان صلب وقوي الحضور، ويكون عنده تواضع، أي هذه الطواعيّة، أن يسلّم حياته لله ويكون ليّن بين يدي الله. المتواضع يملك مع الله ويملك في قلوب الآخرين، ويصبح قرباناً طيّباً والمتكبّر مرفوض. بالتواضع تم اللقاء بين الخالق والخليقة، بالتواضع صار الله شبيهاً بنا بتواضعه اخلى ذاته وأخذ صورة العبد، تجلّى تواضعه في اخلاء ذاته في ميلاده بالجسد من مريم العذراء. عيد الميلاد بالقرون المسيحيّة الأولى لم يكن يحتفل به، كان العيد هو عيد القيامة فقط، وكان كلّ أحد عيد الفصح، كان الحدث الأقوى لقاء المسيحيين حول حقيقة المسيح المخلّص واعتراف الكنيسة فيه "انتَ هو المسيح ابن الله الحيّ".
نحن بعيد الميلاد نعيش سرّ التدبير الخلاصي. "اليوم ولد لكم مخلّص"، إنجيل الميلاد هو إنجيل القيامة، إنجيل إعلان الخلاص، ولادة المسيح بالجسد من مريم العذراء، تعبير عن إخلاء الذات. ولادته بعيلة بشريّة بسيطة وفقيرة، إخلاء ذات بكل ما جرى ايضاً حول الولادة من سيف الوجع والهروب إلى مصر والإضطهاد، مع الولادة بدأ الصليب. تواضع يسوع، تجلّى بحياته على الأرض، اخلى ذاته انحنى على المتألّمين والمجروحين والمهمّشين، بغسل وتقبيل ارجل التلاميذ، الإله ينحني ويقبّل ارجل الناس. تجلّى في الطاعة الحرّة وأوصلته إلى الموت، الموت على الصليب.
تواضع وطاعة يواجهان كبرياء ومعصية.
آدم الثاني يحل محل آدم الأول.
بالأول دخلت الخطيئة إلى العالم فالموت.
بالثاني أُعيد للعالم الحياة الجديدة، بالكبرياء الموت وبالتواضع الحياة. لذلك "رفعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسمٍ لتنحني فوق اسم يسوع..."، ردّد بولس اسم يسوع 3 مرّات تعبيراً عن سلطان يسوع. سلطان على الحياة والموت. وبإسمه نحن نعبر، نحن نحمل اسمه مسيحييّن، دُعيَ علينا، وباسمه نعيش اختبار الموت والحياة ونعبر، نعيش فصح من الموت إلى الحياة، وباسمه نرث ونملك، وباسمه نصبح ذوي سلطان مثله، إذا نحن استعملنا الإسم جيّداً. "إذهبوا وبشّروا واشفوا"... بشرط أن نعرف نستعمل الإسم ولا نزوّره. نحن لدينا كل الإمكانيات، لدينا سلطان قويّ، و"يشهد عندئذ كل لسان أن يسوع المسيح هو الربّ تمجيداً لله الآب". نعم يسوع هو الربّ، هذا هو الإعلان هو النتيجة لهذا الإختبار، هو ثمرة هذا الإنحناء وهذه القيامة، هو تجسيد لحقيقة تواضع الله، يعني تواضعي أنا، وموتي وإخلاء ذاتي حتى يرفعني الله ساعتها أقول عن استحقاق "يسوع هوَ الربّ".
التجسّد إذا هو سرّ التواضع والحبّ والميلاد لا يعني فقط ذكرى الحدث التاريخي وابعاد اجتماعيّة لا ترتبط بالميلاد بأية صلة. نرى كيف مجتمعنا يعيّد الميلاد وكيف يعيش روحانيّة التجسّد. الميلاد هو عيش لسرّ التدبير بكامله، من خلال الميلاد نعيش حقيقة الله الذي خلق السماء والأرض، نعيش يسوع الذي هو صورة الله وكلمته. نعيش اختبار ملء الزمن عندما ارسل الله ابنه الوحيد. نعيش حياة المسيح الذي عاش معنا وشابهنا بكلّ شيء ما عدا الخطيئة.
نعيش سرّ التواضع.
نعيش بعمق اختبار الطاعة لإرادته ووصاياه ومشيئته وإنجيله.
نعيش اختبار الموت لنستحق أن نعيش اختبار القيامة.
هذا هو الميلاد سرّ تجسّد وموت قيامة، بهذا فعلاً نعيش الميلاد.
"إفرحوأ اليوم ولد لكم مخلّص وهو المسيح الربّ في مدينة داود" يعني ولد ببيت كل واحد منّا بقلب كل واحد منّا برعيّة كل واحد منّا بمحيط كل واحد منّا.
إنّه الإحتفال بسر التدبير الذي يرتكز على تواضع المسيح ومحبّته العظمى للبشر.
نصل إلى النقطة التالية:
3- ونحن "الكنيسة علامة لسرّ التجسّد الدائم في العالم"
نعود إلى رسالة فيليبّي : "فإن كان من عزاء في المسيح، ومن هناءٍ في المحبّة، ومن مشاركة في الروح، ومن حنان ورأفة، فتمّموا فرحي بأن تكونوا على رأي واحدٍ ومحبّةٍ واحدةٍ وقلبٍ واحدٍ وفكرٍ واحدٍ، منزّهين عن التحزّب والتباهي، متواضعين في تفضيل الآخرين على أنفسكم، ناظرين لا إلى منفعتكم، بل إلى منفعة غيركم. فكونوا على فكر المسيح يسوع."
هذه هي الكنيسة، حقيقة صورة كنيسة المسيح، بولس يرسم ملامح هذه الأيقونة، الكنيسة هي أيقونة المسيح، كما أن يسوع هو ايقونة الآب، الكنيسة صورة المسيح التي لم تعد هكذا، صورة بهيّة في جماعة فيليبّي، ولا اعرف اذا كان فقط في جماعة فيليبّي، وهنا فحص ضمير على مستوى الكنيسة، والرياضة لها بعد جوهري، ليس فقط بحياتي الفرديّة لكن ايضاً بمسيرة جماعة.
الكنيسة التي رسم خطوطها مار بولس ليواجه مشكلة أهل فيليبّي.
الكنيسة تفرح بالمحبّة، تكون علامة فرح ورجاء للعالم الذي يبكي ويتوجّع. وفرحها يكمن بالمحبّة وهي تنقل إلى العالم حضارة المحبّة، هي سرّ الشركة في الروح. هي سرّ الله، شراكة بين أعضائها، ومع الجنس البشريّ بأسره وليس فقط مع المعمّدين، تنطلق من الشراكة العميقة مع الله، فدون الإتحاد مع الله لا استطيع عيش الإتحاد مع البشر.
"نؤمن بكنيسة واحدة"
إذاً طبيعتها الأساسيّة واحدة ربّها واحد والإيمان واحد والروح واحد. والإنقسام الذي يعيشه ابناؤها، اتى من كبرياء الإنسان. شراكة تنطلق من اختبار عميق للوحدة مع الله.
الكنيسة ترفض منطق الأرض، والكنيسة ما زالت في الأرض. يجب أن تفرح وتفتخر الكنيسة بوجودها في الأرض لتنقل إلى ابناء الأرض مشروع السماء.
كل يوم المسيحي يشعر بهذا التحدّي، ونحن لسنا من اصحاب رفض العيش في هذه الدنيا. الدنيا حلوة بأبنائها ونحن الذين ذقنا طعم الملكوت مدعوين أن ننقل إلى هذه الدنيا هذا الطعم، فلا نهرب من هذه الدنيا. فمثلاً القدوم إلى عنّايا هرباً من الدنيا، هو طريق خاطئ. نحن اتينا لنعيش اختبار كل جماعة مسيحيّة، لأنّنا تعرّفنا على المسيح اختبرناه واحببناه وأردنا اتّباعه، لكن يجب أن نشهد له بقلب العالم بكل تفاصيله، لأن كل موضع بهذا العالم يجب ان يكون فيه ملح وخمير ونور، مسحاء آخرين يغيّرون، يعطون طعماً جديداً، لهذا نحن وُجدنا بهذا العالم.
الكنيسة تعيش تواضع المسيح وتفكر فكر المسيح. وهنا فحص ضمير لنا نحن ككنيسة، وقداسة البابا في سنة اليوبيل اعتذر عن كل مرّة، الكنيسة خلال التاريخ لم تكن منسجمة مع فكر المسيح، واليوم نحن نركز ايضاً على الكنيسة ونبدأ "بالرعيّة"، لأننا هناك نعيش يوميّاً اختبار الكنيسة بقلب الجماعة الراعويّة، اليوم الرعيّة بحاجة لكل واحد منّا. ومن هنا نرى كيف نفعّل جماعاتنا الرعويّة نعيش اختبارنا بكل ابعاده انطلاقاً من رعيتنا. رعيتنا اليوم فيها تفكك، ولم تعد فعلاً جماعات روحيّة، وجماعات محبّة وتلاقي وتفاعل.
كنيسة الرعيّة بالحضور بالمشاركة بالقداس، وبكل النشاطات. والأهم أخذ المبادرات، وتقديم المساعدات، رعايانا بحاجة لأن تتفعّل.
هذا اليوم هو تفكير كنسي عالمي عادت تركز الكنيسة على الجماعة الراعاويّة. هذا عمل أساسي جدّاً له معنى كبير. هناك في الرعيّة نعيش اختبار جسد المسيح الكرمة. انطلق من الرعيّة إلى كنيسة لبنان. اليوم نحن بحاجة لطرح اسئلة إذا كانت مواقفنا وطريقة تفكيرنا هي تفكير المسيح. أن نصبّ اهتماماتنا على مستوى الكنيسة اللبنانيّة. نعي لأهميّة دورنا في كنيسة لبنان، نحن لسنا هنا صدفة، نحن هنا ضمن تصميم الله، ضمن مشروعه الخلاصي، يجب أن نتحلّى برؤية جيّدة وآفاق لنرى ما المطلوب إنطلاقاً من فكر المسيح.
نحن اليوم عمليّاً ماذا نعمل، نحن بحاجة إلى فحص ضمير، وجرأة في أخذ المبادرات.
وعلى مستوى الكنيسة الجامعة والكنيسة البيتيّة وعائلة مار شربل وعلى مستوى مسيرتي الشخصيّة.
اسئلة تُطرح على كافة المستويات، لنكون علامة قويّة ومميّزة وفاعلة في العالم لتتابع تواصل عمل الله في العالم.
من خلال التواضع ،التواضع في الحضور مع الناس الذي يخلق العفويّة والاستقبال والإنفتاح على الجميع.
الكنيسة تعيش التواضع بالإعتذار عن اخطاء صدرت عنها كمؤسّسة بشريّة، فالإلهي فيها يتواضع. نحن أيضاً ببيوتنا بحاجة إلى الجرأة والإعتذار. فالإعتذار يعطي حريّة وقوّة. عندما نحتفظ بكبريائنا نرى كم نحن صغار. الإعتذار يبني البيت يبني الكنيسة. عيش الكنيسة للتجسّد بالتواضع، يترجم بأخذ مبادرات تساهم في ترسيخ الوحدة والمحبّة وفي التخلّي عن الأمجاد الدنيويّة التي لا تظهر وجه المسيح إلى العالم. تواصل الكنيسة فعل التجسّد عندما تكون علامة الوحدة والشركة. الوحدة تنطلق من الحبّ، والحبّ يوصل إلى الحقيقة. الكنيسة تكون حقّاَ كنيسة عندما تفكّر بفكر المسيح، "تخلّقوا بأخلاق المسيح".
تكون الكنيسة كنيسة حيّة عندما تتجدّد بالقربان، بالإفخارستيا، بالتوبة وبالإعتراف.
وعيلة مار شربل مدعوّة بهذا الزمن المقدّس لتكون علامة تواصل التجسّد في عالم اليوم، بعيش خبرة شخصيّة، فرديّة وجماعيّة لسرّ المسيح المتواضع والمحبّ، عندما تفكر بفكر المسيح وعندما تسعى للقداسة.
وعيلة مار شربل تذكر نفسها أنّها مدعوّة للقداسة،
عندما تظهر محبّة الله في الحياة اليوميّة،
عندما تقدّس الزمن وكل زمن، عندما تقدّس المكان وكلّ مكان،
عندما تجسّد كلمة الله والإنجيل في الحياة اليوميّة،
عندما لا يكون هناك وقتين، وقت لله ووقت لنا، بل كلّ شيء للمسيح والمسيح لله.
هذا يتطلّب تتلمذاً دائماً، مثابرة في اتّباع المسيح، وتحرّكاً متواصلاً في مسيرة الإنجيل،
مواكبة آنية لرسالة الكنيسة وعيشاً شخصيّاً وصادقاً لسرّ المسيح.
عندها أخلي ذاتي ليملأها المسيح، اتواضع لتحطيم كبريائي،
أُطيع وأُميت فيَّ الإنسان القديم ليرفعني الله. هذا هو الإختبار الذي نعيشه في الميلاد.
أعيش اختبار التخلّي، "أخلى ذاته وأطاع حتى يرفعنا الله"، عندها استحق أن أُسمّى باسم يسوع فأعترف أنّه هو الربّ هو المسيح ابن الله الحيّ.
آمين.