عيلة وعلّية

إن عيد العنصرة كان من أحد الأعياد اليهودية الثلاثة الكبرى: عيد الفصح، عيد المظال وعيد العنصرة: أي عيد الحصاد أو الأسابيع أو الخمسين. وكان يتوجّب على كل يهودي ذَكَر أن يزور أورشليم خلال هذه الأعياد.

عيد العنصرة بالنسبة إلى اليهود له رموز متعددة وكلمة عنصرة تعني الإجتماع.

  1. عيد الحصاد: حيث ينطلق اليهود إلى الحقول من أجل الحصاد.
  2. الأسابيع: لأنّه يأتي بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح ويُدعى يوم الخمسين أي Pentecost باليونانية.
  3. ذكرى تسلّم موسى الشريعة على جبل سيناء من قبل الله الذي حفرَ وصاياه على ألواح من حجر.
  4. الخميرة الجديدة: بعد أن كان اليهود قد أزالوا كل خميرة من منازلهم قبيل عيد الفصح، يصنعون خميرةً جديدةً من الحصاد الجديد.

وهناك تقليد يهودي قديم يدعى "ماطان" يُرسل خلاله العريس إلى عروسِه هديّة في يوم العنصرة تعني التشجيع والتجميل.

نرى أوجه الشبه بين حدث العنصرة في العليّة الذي جاء يكمّل عنصرة اليهود. رياح وبروق ورعود ونار على جبل سيناء وشريعة العهد القديم، وصايا موسى، كذلك أصوات رعد ورياح ونار في العليّة ووصايا العهد الجديد.

وكما كان اليهود يذهبون للحصاد في الحقول كذلك إنطلق التلاميذ من العليّة للحصاد في العالم. وهُم الخميرة الجديدة في العالم. وأيضا يُرسل العريس إلى كنيسته العروس هدية "الماطان" وهو الروح القدس.

وكما إنطلق شعب الله مع موسى، ينطلق شعب الله الجديد مع الرسل والتلاميذ بقوّة الروح القدس.

 

في قانون الإيمان نقول في بدايته عن يسوع "نزل من السماء وتجسّد..." وفي نهايته "صعد إلى السماء وجلسَ عن يمين الآب..." إن لصعود المسيح معنى على غاية من الأهمية في حياتنا، فنحن ننظر إلى جسدنا الضعيف، الحقير، الفاني، فيُصيبنا اليأس من مصيرِه، ولكن عندما ننظر إلى يسوع بجسد إنسان مُمجّد، صاعداً إلى السماء يملأنا الرجاء.

فصعود يسوع المسيح إلى السماء بجسدنا يرسم لنا مستقبلنا الذي يدعونا إليه بأجساد ممجّدة معه في الملكوت. وجلسَ تعني أنّه قد أتمّ ما جاء لأجلِه، وعن يمين الآب تشير إلى السلطان الذي وهبه الآب لإبنه.

إن دور الروح القدس يظهر جليّاً في كل الكتاب المقدس، وهو منذ العهد القديم له مفاعيل القوّة والتجدّد.

مثلاً مع موسى، عندما تعبَ من قيادة الشعب حيث أخذ الله من الروح الذي على موسى وأعطاه للسبعين شيخاً، فقادوا معه الشعب وأخذوا يتنبأون .

كذلك مع شاول تلميذ صموئيل الذي أعطاه الروح القدس القوّة والنبوءة، وكذلك مع إيليا النبيّ فقوّة الروح القدس تُحوّل الإنسان ويُصبح إنساناً آخر.

 

لقد قال الرب يسوع "إني أُرسِل لكم معزياً آخر وهو يبكّتكُم على الخطيئة"، وقد قال يسوع "يبكّتكُم على الخطيئة لأنكم لا تؤمنون بي". فعدم الإيمان بيسوع المسيح هو سبب الخطيئة. فكلّما ضعُفَ إيماننا زادت خطايانا.

  • أما هو يبكّتنا على البِرّ أي على الخير الذي لا نعمله. وقال يسوع "يبكّتكم على البِرّ لأنكم لا تعودوا تروني" بالنسبة للتلاميذ كان يسوع المسيح يجسّد البِرّ فيقتدون به ويفعلون ما يفعله.
  • أما بعد صعوده، فالروح القدس هو الذي يوجّههم على البِرّ، وهو يبكّتنا على الدينونة كما قال يسوع "لأنّ سيّد هذا العالم قد دِين" فلا حاجة لنا بعد اليوم للخطيئة، لأن سيّد الخطيئة فد سقَطَ ولم يعُد لنا مِن مُبرّر.

 

إن الروح القدس هو نار يُشعل قلب الذي يحملهُ، فمَن يَحمل الروح القدس لا يستطيع أن يكون خامداً أو فاتراً أو لامُبالٍ، بل يشتعل ويُشعِل مَن حولهُ.

لقد قال يسوع "جِئتُ لألقي على الأرض ناراً، وما أشدّ رغبتي أن تكون قد اشتعلت" هذه النار هي الروح القدس الذي يضرم قلوب المؤمنين فيقومون بأعمال الله. أما نحن الذين نحمل الروح القدس في قلوبنا منذ المعمودية، فما الذي يجعلنا فاترين أو باردين أو لامُبالين، فمِن المستحيل أن يلمس الروح القدس إنساناً دون أن يُشعلهُ.

فأي روح نحمل نحن إذا كنا منطفئين؟ ما الذي يُطفئ الروح القدس فينا؟ ما الذي يجعلنا بهذه البرودة؟ هناك سبب واحد فقط وهو الخطيئة. خطيئة الفِكر واللسان والعمل والإمتناع عن الخير.

 

فالطريق الوحيد لإضرام الروح القدس في قلوبنا هو التوبة الحقيقية، التي تحرّرنا من الخطيئة فنشتعِل ونُشعِل العالم حولنا ونحقّق رغبة ربنا يسوع المسيح، وبذلك نُكمّل ما بدأ من العليّة يوم العنصرة، وهذا بالضبط ما حدث في إنطلاقة عيلتنا.

 

لمشاهدة الفيديو: https://youtu.be/sobZnAvOOn4