الصلاة والصوم مع ريمون ناضر, آذار 2014

شموع

نحن عيلة مار شربل، مسيحيّون مشرقيّون، روحانيتنا روحانية نسكية رهبانية، روحانية مار شربل.
نعيش اليوم في إطار بعيد عن حياة الناسك وخاصة القديس شربل، نتأمل بحالتان: السكر بالله والحسرة والمرارة على طريقة عيشنا. 
لماذا أصوم، ما الذي أريد تحقيقه من صومي؟ كل عام نأخذ مقاصد كثيرة وفي نهاية الصوم نُصاب بالاحباط عندما لا نحققها كلّها.
الحبيس أو الناسك وبالتحديد القديس شربل يعلّموننا معنى الصلاة والصوم. نتأمل بالقديس شربل، انسحب الى الدير ثم إلى المحبسة، وقد خرج من بيئة قروية بسيطة عاشها أجدادنا كالرهبان في ضيعهم، صلاة وعمل ولقاءات، ونحن نفتقد هذا النمط في عالم اليوم. القديس شربل انسلخ عاطفيّاً عن محيطه، ونحن اليوم أمور كثيرة تكبلنا تصعّب انسلاخنا.
عاش القديس شربل 23 سنة في المحبسة في روتين يومي قاتل بالنسبة إلينا. صلاة ليلاً نهارًا، قدّاس، يأكل مرّة في اليوم والقليل جدّاً، ينام فقط ثلاث ساعات وعلى فمه كلمات التسبيح. صمت، هدوء تام، عزلة... روتين. ما الذي جذبه، ما الذي جعله يبقى ويستمر؟
الإنسان بطبيعته بحاجة لتعزية، يأخذ تعزية من الإنسان الآخر بمجرّد أن يسلّم عليه ويتكلّم معه، يشعر بالأمان والقيمة. أو أحياناً يأخذ التعزية من الطعام. لكنّ الحبيس لا يأخذ تعزية إلّا من الله، اختار العيش بهذه الطريقة، راهن بكلّ حياته ليربح الأساس.
هدف كلّ إنسان التحرّر من الخطيئة التي في الحقيقة هو يتلذّذ بها. ولكي يتحرر عليه أن يجد لذّة أكبر، وتعلّق اكبر. الخطيئة تتملّكنا ولن نتخلّص منها إلاّ حين نختبر ما هوَ أجمل وأعمق من ملذات الخطايا. يسوع أتى يحررّنا، وأيضًا يعلّمنا كيف نلتمس وجه الله ونعيش الفرح معه. 
الله هو الفرح المطلق، هوَ الحريّة، هو يملك على كلّ شيء. إن تأمّلنا هذه الحالة وغُصنا فيها يبدأ مشوارنا نحو التحرّر من الخطيئة. كلّما اقتربنا وتلمّسنا وجه الله كلّما وجدنا وذقنا طعم الفرح الحقيقي. وبالتالي سنتعرّض لإغراءات الأفراح المؤقتة الخدّاعة التي تأتينا من هذا العالم، الذي يريد منعنا من اختبار الفرح الإلهي، حالة الله.
هذه النعمة كيف يحافظ عليها الحبيس؟ يحارب طيلة الوقت، يتجرد عن ذاته، يتخلّى عن تكبّلاته، هو المتدرّب أي الذي يتدرّب كلّ الوقت على ضبط ميوله وأهوائه. يأخذها كلّها باتجاه الله. يعيش في محاولات دائمة ليعاين وجه الله، وهكذا يفكك خطاياه الواحدة تلوَ الأخرى.
الناسك هو الشخص الذي بجسده الترابي يجاهد لكي يصل إلى حالة الأجساد الغير ترابيّة. فيصير بنعمة الله بين الأرض والسماء لا تربطه بالأرض سوى أمور ضئيلة تكفيه ليحيا بها جسده، هوَ يسعى إلى الغاية النهائية ألا وهي الوصول إلى قلب الله.
ونحن عيلته، يدعونا القديس شربل إلى أن نكون رهبانًا في قلب العالم. أي إلى محاربة الخطيئة والسعي جاهدين لالتماس وجه الله.
خلقنا الله وأعطانا العقل لكي بهذا العقل نعود إلى الهدف، العقل الأول الذي هوَ الله. وفي مسيرتنا وحياتنا على الأرض، أمور كثيرة تبعدنا وتلهينا عن الدعوة أو العقل الأساسي. قصة الابن الضال خير مثال لنا، ابتعد، تشتّتَ، انفصلَ عن مصدر حياته. ونحن مثله في حالات ضعفنا ننفصل عندما نقع بالخطيئة. أمّا إن كنّا ساهرين يقظين كلّ الوقت كما يعيش الناسك، نتجنّب السقوط.
الشرير يأتي على غفلة، يحاكي عقلنا الضعيف الغير ساهر، ويوقعنا. والربّ يسوع يعلَم ضعفنا فيدعونا: "إسهروا وصلّوا لئلّا تدخلوا في التجربة". وهذا أيضًا ما يعلّمنا إياه القديس شربل: السهر على حواسنا التنبّه بالصلاة والصوم لكي نُغلق كلّ الأبواب التي ممكن أن يدخل منها الشرير.
في عالم اليوم الخطيئة سهلة، نتعرض يوميّاً لأمور كثيرة، نحسد، ننظر إلى أمور كثيرة نشتهيها لأنفسنا... الحبيس في مسيرته، وأمام وجه الله يتعرف على نفسه، ويدخل إلى أعماقه، ويحارب الشر الذي فيه. ونحنُ أيضًا، لا يجب أن ننظر الى شرور الآخرين، بل نحارب الشر الذي فينا، في داخلنا، هذا هوَ المكان الوحيد الذي عليَّ أن أبدأ فيه المعركة. فبأي حقّ أدين الناس وأحكم عليهم، يقول القديس شربل: "كل شي بتشوفو بخيّك الإنسان، في مِنّو فيك". الكبرياء، الحسد، الطمع... كل شيء.
إذًا فعندما أصوم، أبدأ بأخذ منحى الأجساد الغير ترابيّة في جسدي الترابي.
وهنا يجب الانتباه: للصوم نوعان. 
اولاً نصوم صوم إلهي، فنتدرّب كالناسك للعيش في قلب الله، هذا النوع يقوم على محاربة الأهواء والشرور في داخلي، يقوم على عيش التوبة الحقيقيّة.
وصوم آخر بشري لا علاقة لله به، يقوم على التفاخر بالبطولات، هذا الصوم هو قمة الكبرياء والأنانية. 
هدف الصوم هو قتل الاهواء وليس قتل الجسد. يسوع يريدنا أن ننجبل بحضور الله وكلمته ومعاينة وجهه. صوم يقوم على التدريب لكي نصل الى المحبة القصوى وفرح الله.
نحن دعوتنا ان نكون رهبانًا في قلب العالم، مدعوون إلى عيش السكينة والهدوء في قلب الضجيج. إذاً إن كان صومنا صادقًا حقيقيّاً، فهو سيوصلنا إلى السكينة، والسكينة تؤدي إلى حالة التخلّي واللاإضطراب. وهذا يؤدي بالتالي إلى حالة تأمّل متواصل.
فكلّ ما أشاهده وأختبره في حياتي اليومية مع أخي الإنسان، سأنظر إليه إنطلاقاً من معاينتي لوجه الله والتأمّل ببهائه وعيش السلام.  والسلام نوعان.
-    سلام الفكر هو عندما يكون فكري على فكر الله، أثناء تأمّلي بالكتاب المقدّس، بتعاليم الكنيسة، بوصايا الله، أعرف ما يريده الله، هذا هو سلام الفكر.
-    سلام القلب هو عندما تتوافق إرادتي مع إرادة الله. نسك في قلب العالم، تخلّي، تجرّد، والابتعاد عن كل من يمنعني من تحقيق إرادة الله.
هذا يصير بالعمل على ثلاثة أمور: البحث عن الحقّ، التتلمذ كل يوم على يديّ الحقّ اي يسوع المسيح ومنه أذهب نحو إخوتي. ثانيًا أن أحافظ على الحق، بخلق نمط حياة محصّن لا ينبت فيه شوك، ولا ينزعه منّي الشرير. وثالثًا عيش الحقّ. وهنا تكمن الصعوبة في قلب هذا العالم الذي يرفض الحق. هذا هو جُرحنا ومعاناتنا. نعيش مع المسيح، ومع الإنسان، نحارب الشرّ الذي يتلاعب بالإنسان، ونحبّ هذا الإنسان. ننظر إلى الإنسان نظرة يسوع فنُصلبَ معه ونعيش مثله سرّ الصليب. نحبّ الخاطئ ونكره الخطيئة، ونحارب الشرّ الذي في كل أحد.
عدوّنا واحد هوَ الشيطان، وليس الإنسان. هذا هوَ الحق الذي يريدنا الله أن نعيشه.
 نخدم الانسان، ننصلب لأجله، ونكسب هذا الإنسان ليتحرر من شرّ الخطيئة. على الصليب مع المصلوب نجد الفرح الحقيقي، فرح عودة كلّ خاطئ. هذا هو الفرح الذي جعل القديس شربل يبقى في المحبسة 23 سنة. الفرح المطلق في معاينة وجه الله.
ونحن في قلب العالم يجب أن نعيش اليقظة المستمرّة، نواجه ذاتنا في كل وقت، نخرج من ذواتنا، نعرف الحقّ ونتركه يحرّرنا، ونعيش بتوق دائم لالتماس وجه الله. في مسيرة يومية نحو الفرح المطلق.
الحياة الرهبانية، هي موت عن الذات، تضحية، إنفصال عن العالم الذي يعطي تعزية. نحن نختبر قليلاً منه في رياضاتنا الصامتة. فرح التحرّر. وندرك قيمة هذا الفرح عندما نعود إلى العالم.
إذاً أنا امتداد للمصلوب في هذا العالم، ألتمس وجه الله، أحارب الشرّ فيّ، أعيش في يقظة مستمرّة، أحافظ على الفرح الذي من الله، وأجاهد لأنتقل من فرح إلى فرح آخر أكبر وأعمق صوب قلب الله، لأصبح كشربل سكران بالله، مجاهدًا بامتياز.

السؤال:    شارك في حلقات الحوار خبرتكَ في محبة الخاطئ وكره الخطيئة، وهل تصوم وتصلّي لتتحرر، وتمتلئ من الله وتسير المسيرة طلوع لتعاين وجهه؟