أنت ابني الحبيب

You-are-my-Son-whom-I-love

ماذا يعني أن تكون إبن الله؟ أن تكون إبن خالق الكون؟

ماذا يعني أن يسري في عروقك دمٌ ملكيّ، دمٌ إلهيّ، دمُ الله؟

يذكر الكتاب المقدَّس مرّتين في حَدَثين مختلفين سماع صوت من السَّماء يقول "هذا هو إبني الحبيب"... متوجِّهاً ليسوع.

لقد أصبحنا، نحن المعمَّدين الذين لبِسنا المسيح، أبناءً لله بيسوع المسيح وهذا الكلام من السَّماء يتوجَّه إلى كلِّ واحدٍ منَّا نحنُ أبناء الله الأحبَّاء.

سُمعَ هذا الصوت عند معموديَّة يسوع في الأردن وتجلِّيه على الجبل.

في المعموديَّة، كان يوحنَّا نبيّاً يُرشد النَّاس ويَعِظهم ليكونوا صالحين وكان يُعمِّد مِن أجل توبة الخطأة. كان يعمِّد بالماء ويتكلَّم عن شخص يأتي بعده وهو ليس أهلاً أن يحلَّ رباط حذائه وهو سيعمِّد بالرُّوح القدس والنَّار.

إذاً لقد جاء يسوع ليغطِّسنا بواسطة المعموديَّة في طبيعة الله، ليجعلنا أبناء الله، ليُدخلنا في الشركة التي بينه وبين الآب بواسطة الرُّوح القدس. وليس لنبقى فقط على المستوى الإنسان الصّالح الذي يَتبع الشَّريعة.

إنَّ المعموديَّة التي تُلبسنا المسيح تُضرمنا بنار روح الله القدُّوس وهي المدخل للحياة الإلهيَّة التي منها نبدأ مشوار القداسة لنكون أبناء الله.

في المعموديَّة يلبس الإنسان قوَّة أكبر منه تجتاحه وتشعله إذا عرف كيف يستسلم لها فيصنع من خلالها أعمالاً وعجائب تتخطَّى قدرته البشريَّة.

إنَّ القديسين هم أشخاصاً عادييّن أضرمتهم نار الرُّوح القدس فقاموا بأعمال خارقة تتخطَّى محدوديتهم البشريَّة (فرنسيس، ريتا، تيريز، بيو، يوحنا بولس، منصور، شربل، حرديني، الأم تيريزا، رفقا...) فتجلّت صورة الله بهم كأبناء له.

إنَّ البنوَّة لله هي نعمة مجَّانيَّة وهبها الله للإنسان بفيض محبَّته، لأنَّ الله محبَّة وهو كامل ليس بحاجة لأيِّ شيء أو أحد، كلّ ما يهبه هو من محبَّته الإلهيَّة دون أي مقابل، وليس على الإنسان سوى قبول هذه الهديَّة المجَّانيَّة من الله، أثمن الهدايا على الإطلاق: النعمة Grace من اللاتينيَّة، Gratia ومن اليونانيَّة Chraris وتعني الشكر (Eu-Charis-Ty).

إنَّ المعموديَّة تُجسِّد المصالحة بين الله والإنسان بين الأرض والسَّماء وتجعل من كلّ معمَّد جسراً بين الأرض والسَّماء فيصبح بروح الله كاهناً وسيطاً بين الله ومخلوقاته، ونبيّاً يحمل كلام الله ويعلنه ومَلِكاً إبن ملك يقود النَّاس إلى الملكوت ويَرِث الملكوت.

في التجلِّي، نسمع صوت الله مرَّة ثانية يُعلن أبوَّته للإبن المتجلِّي بالنور الإلهي وهو يسطع بنور وبياضٍ عجيب. وهذه دعوة أيضاً لنا نحن الأبناء للتجلِّي وأن نسطع بنور الله ونرتفع عن طبيعتنا الترابيَّة ونكون أبناءً للآب، إخوةً للمسيح، يتجلَّى فينا صورة الله فنعمل على الأرض أعمال السَّماء ونحقِّق مشيئة الآب أبينا.

إنّ الله محبَّة وهو لا يعطي إلَّا المحبَّة وهو يعطي النِّعمة لكلّ البشر بمجَّانيَّة ودون توقُّف بشركة الرُّوح القدس، هو كالشمس يُشرق نوره على الجميع ولا يحجبه عن أحد. إنَّما ما يَحجب النِّعمة الإلهيَّة عن الإنسان هي خطيئته، كما تَحجب الغيوم نور الشمس. فالله دائماً يفيض بنعمته المجَّانيَّة على الإنسان وخطيئة الإنسان تحجبها فيعيش في الظلام.

ولا يبدِّد غيوم الظلام إلَّا التوبة والمصالحة المتواصلة مع الله بواسطة الإعتراف والمناولة. الخطيئة تحجب النِّعمة وتُوقِف الشركة مع الآب والإبن التي نلناها بالرُّوح القدس. ليس الله إذاً هو الذي يحجب نوره إنَّما خطيئة الإنسان هي التي تجعله يعيش في الظلام. على ما يقول توما الأكويني: "كلّ متلقٍّ يتلقّى تبعاً للحالة التي هو فيها."

فصوت الله بالنسبة للإنسان البارّ هو عَذب، جميل، هادئ، أمَّا بالنِّسبة للخاطئ فهو قاسٍ، مزعج، عنيف، مرفوض... إنَّما الله هو هو ذاته دائماً.

لقد وهبنا الله بفيض محبَّته الإلهيَّة نعمة البنوَّة بواسطة الربّ يسوع والمعموديَّة بالرُّوح القدس وقد أضرمنا بنار محبَّته وجعلنا أبناء له على صورته، لقد أشعل فينا النَّار الإلهيَّة لِنَشرِها على الأرض: "جئت لألقي على الأرض ناراً وما أشدَّ رغبتي أن تشتعل" قال يسوع.

إنَّ الله يقول لكلّ واحدٍ منَّا: أنت إبني الحبيب، أنتِ إبنتي الحبيبة. ويدعونا لأن نُضرم نار المحبَّة والرَّحمة، النَّار الإلهيَّة التي نحملها على هذه الأرض لنجعل منها صورة عن السَّماء ويتحقَّق ملكوت الله.

دعوتنا أن نكون أبناءً حقيقيِّين للآب، أن نزيل الغيوم السَّوداء والبيضاء ونبتعد عن الخطيئة ونَنعَم بنور الله ونعمته فنأخذ النور لِنَشرِهِ ونأخذ النِّعمة لنوزِّعها بمجَّانيَّة فنصبح نحن بدورنا نعمة للبشر أبناء للآب، يتجلَّى فينا النُّور الإلهي ونسمع صوته في كلِّ لحظة يقول لنا: أنت إبني الحبيب.

من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
"عالم الله هو عالم المحبّة، هو عالم الحقيقة ولا حقيقة خارج المحبّة. لا يحقّق الإنسان ذاته إلاّ بالمحبّة، ولا يدرك الإنسان الحقيقة إلاّ في عالم الله. الإنسان ينتمي إلى الله، هو إبن المحبّة، ابن الله وموطنه الحقيقيّ: عالم الله."

مقصد:
"لا تنسى أن ترسم خريطة المحبة، إبدأ بالدائرة من حولك، بيتك، عائلتك، عملك، مجتمعك، أكتب أسماء من تُحبّ بالأزرق وأسماء مَن بينك وبينهم نقص بالمحبة أو عدم محبة بالأحمر، وابدأ العمل على تحويل كل ما هو أحمر إلى أزرق".

صلاة:
"يا ربّ، أحبَبتَنا، ودعوتنا، أبناء جعلتنا، وملكوتك تُورثنا، نعمكَ المجانيّة علينا تفيض، دون أن نستحق. أعطنا أن نعي عظمة دعوتنا، أعطنا أن نعي كبرَ حبّك، أعطنا أن نعي بنوّتنا، فننفض عنّا غبار العالم بشجاعة، نمتلئ منك ونطيعك كما يطيع الأبناء الصالحين، من حبّك نستقي وفي نورك نحيا ومن نورك نشعّ فنعمل فَرقًا في عالمنا ونمجّد إسمكَ."