"أَلآن دينونة هذا العالم" (يو 12 / 31)

Now-is-the-time-for-judgment-on-this-world

"أَلآن دينونة هذا العالم" (يو 12 / 31)

منذ أوّل البشرية والإنسان يُفكّر بالدينونة. وإلى اليوم، كلّ واحدٍ منّا يسأل. هل أَخلُص؟ لكن لِنَفهم هذا السرّ، يجب أن نفهم قلب الله.

في هذا العالم نظريّات كثيرة حول الخلاص، منهُم مَن يقول الكُلّ يَخلُص، ومنهُم مَن يقول قلّة قليلة... لكن مَن يُقرّر؟ لنَسمع ماذا يقول لنا يسوع والكنيسة. وما هيَ هذه الوقفة الرهيبة.

تلاميذ يسوع كان هذا همَّهُم، أكثر ما كانوا يسألونه، ما هوَ الملكوت ومَن يَخلُص؟ والربّ الذي هوَ المحبّة الكاملة هوَ في نفس الوقت مُتطلّب، فالذي يُحبّ يَتطلّب كما يَتطلّب الأهل من أبنائهم.

أعطى يسوع أمثلة كثيرة في الأناجيل فيها مفارق، تفصل بين الملكوت والجحيم، نستعرض بعضها:

- مَثَل لعازر والغني واضح. لعازر بعد معاناته في هذه الأرض، يَتمتّع في أحضان الله، والغني في قعر الجحيم يتمنّى نقطة ماء والهُوّة كبيرة. الوضع مؤلم، والإنجيل لا يقول لنا أن الغنيّ فعلَ شيئا ليَستحق الجحيم، لكنّه يقول أنّه لم يفعل الخير الذي كانَ عليه أن يفعله، ولعازر مرميّ على بابِه، بينما هوَ يتنعّم. هذا هوَ النقص بالمحبة بحسب مفهوم الله.

- مَثَل العذارى الحكيمات والجاهلات، الحكيمات دخَلن إلى العُرس والجاهلات لم يملأنَ مصابيحَهُنّ، وأُغلِق الباب.

- الحنطة والزؤان. أتركوهُم ليوم الحصاد، وهناك الفَصل: القمح إلى الاهراء والزؤان إلى النار.

- الخراف والجداء. خراف للملكوت وجداء للهلاك. يسوع يتكلّم.

- الوزنات. الذي تاجر قال له، أُدخُل فرح سيّدك والذي طمَرَ وزنتهُ، قال لهُ، يا لكَ مِن عبدٍ سيّء.

- لصّ اليمين والشمال، لواحدٍ قال، اليوم تكون معي في الفردوس...

- الشبكة في البحر، التلاميذ فرزوا السمك الجيّد عن الرديء.

- حُلّة العُرس، في الوليمة رُميَ خارجا مَن لم يَلبِس حُلّة العُرس.

كلام قاسٍ، لكن الربّ هوَ الذي يتكلّم. إن الله، كما قال القديس بولس "فإِنَّهُ اختَارَنَا فيهِ قَبلَ إِنشَاءِ العَالَم، لِنَكُونَ في حَضرَتِهِ قِدِّيسِين، لا عَيبَ فينَا" (أف 1 / 4). هذا هدف خلقنا. نحن في فِكر الله قبل أن يخلق العالم. خلقَنا بفيض المحبة من قلبِه. ونحن نسأل، هذا الإله الذي يُحبّنا كيف يرمي نفسًا في قعر الحجيم. الحقيقة هي أنّ الله يبكي النفس الهالكة، ويتألّم لأجلها ولا يريد هلاك أي نفس. وليس هوَ من يرميها في جهنم، لكن الإنسان هوَ الذي يختار مَصيره  بإرادته.

الله يُحبّ الإنسان لدرجة أنّه أعطاه الحريّة الكاملة. حُريّة قبوله وحُريّة رفضه، ولا يتدخّل أبدًا بالقوّة في حياة الإنسان. نحن ماذا نريد؟ هل نريد أن نَخلُص؟ لنَسمع ماذا يقول لنا يسوع.

أقليلون الذين يَخلصون؟ يسأله التلاميذ، وجواب الربّ: إجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيّق، فباب الهلاك واسع ورَحب، ومَن يسلكهُ كثيرون. يسوع جدّي ولا يناور. هوَ يعني ما يقول. كلّ القصة بالإجتهاد. خلقَنا مِن فيض محبّته، وشاركنا ملكوته، أعطانا كلّ شيء. لكن نحن نضيّع العطايا، نهدِر النّعَم، ولا ذنب لله بضلالنا. لا يمكن أن نلومه على هلاكنا. نحنُ نختار الهلاك بإرادتنا.

إجتهد: أي إعمل بواقعكَ لتستحقّ الملكوت. الحُبّ خيار، ونحن بخياراتنا اليومية، نُعبّر عن حبّنا لله. فنمتلئ منه بخياراتنا، خيار الحُبّ بدل الكراهية، بذل الذات بدل الأنانية، السلام بدل الخصام... ما نمتلئ منه يكوّننا، لنتكوّن للملكوت. نحن نتكوّن مِن مجموعة خُبُرات نعيشها طوال حياتنا، وهذه الخيارات تأخذنا إمّا للخلاص أو للهلاك. وإن إخترنا الفساد، الله يتألّم لأجلنا، وهوَ يعمل كلّ شيء ليُعيدنا... لكن الموت نحن نختاره بأنفسنا.

الله، أخلى ذاته، تخلّى عن عرشه، نزل، عاش بيننا، عانى معاناة وآلام كثيرة أكثر ممّا يعاني الإنسان، لم يسأل عن كرامته، ليقول لنا كم يُحبنا، ويدلّنا على طريق الحياة، ويُبعدنا عن الموت. والخيار لنا. وقال لنا خافوا ممّن يقدر أن يقتل النفس. هوَ يحذر الإنسان، ليَختار الخلاص.

لكن إن أنتَ إخترت البُعد عنهُ وقاومتَ هذا الحُبّ الإلهي، فالذنب ذنبك ولا دخل لله بموتِك.

يقول أحد الفلاسفة، جهنم أنت تدخلها بنفسك، ومَسكة الباب من الداخل.

إجتهدوا. هذا الجهد هو فِعل إرادة من الإنسان للعمل بالنعمة التي من عند الله.

أطلبوا (إرادة) تجدوا (نعمة)، إسألوا (إرادة) تعطوا (نعمة) إقرعوا (إرادة) يُفتح لكم (نعمة)....

الله يُحبّك، أعطاك الحريّة وهو ينتظرك. إن تأتي يُعطيك كلّ شيء، وإن لم تأتِ يَبكي عليك.

نسأل أنفسنا كل يوم كيف نتفاعل مع هذا الحبّ الإلهي؟ نحن نبني الملكوت هنا ونبني الجحيم هنا. فالشرير يعيش بقلق وحُزن وكآبة، وهذا نموذج عن جهنم. والبار يعيش في فرح وسلام وهدوء وطمأنينة وبهجة. الخطيئة تُعطي تعاسة، وعيش كلام الله يُعطي الفرح والسلام.

نحن نبني أبديّتنا مِن هنا. نعيش هنا ما ينتظرنا هناك. لهذا نقول الآن وإلى دهر الداهرين آمين.

الله يقدّس حريّتك، ولن يتدخل بالقوة، بل يتدخّل وأنتَ في طريقكَ لعَمَل الشرّ، يُعطيك علامات كثيرة. يُكلّمك بطُرُق عِدّة، كلِمتَهُ، كنيستَهُ، أشخاص، علامات ليَرُدّك. يقول لك، هنا موت وهنا حياة. والخَيار خيارك.

أربع نقاط، تساعدنا اليوم لنربح الملكوت:

الجهاد: العلاقة بين النعمة والإرادة أساسية. إجتهدوا ملكوت الله يؤخذ عنوةً.
الإعتدال: علينا أن نكون مُعتدلين، نعمل بما أعطانا ولا نُغالي ولا نتكبّر.
الرجاء: ليس كل من يقول لي يا رب يدخل ملكوت السماء، بل مَن يَعمل مشيئة أبي. في هذه الحياة هناك الرجاء الكاذب يأتي من قلّة ثقتنا بيسوع ومعرفتنا له. علينا أن نعمل بالرجاء الحقيقي، نؤمن ونعمل. لكن لا ننتظر نتائج سريعة، فنحن نبني للملكوت وجهادنا نحصده في أبديتنا.
الطاعة: الطاعة شيء أساسي، للدخول من الباب الضيق. أطِع كنيستك وتعليمها. الطاعة ليست مذلّة، هي ضد الكبرياء. نحن غليظي الرّقاب، لا نعرف التوبة الحقيقية، إلا عند الألم، أو الخوف أو المرض، أو المصيبة.

المهم إذاً، أن نسهر على حواسنا، على نموّنا الروحي ونجتهد كلّ يوم وفي كل وقت. الهلاك حقيقي. لا نريد أن نختاره. نحنُ نختار منطق الله الذي يؤدّي بنا للخلاص، للحياة. ولا نشكّ أبدًا بحُبّ الله لنا، هوَ لم يسأل عن شيء لأجلنا وسيَبقى يُحبّنا مهما عملنا، هوَ إختارنا، ولم يغيّر خيارَه، وهو ينتظر أن نختاره، ونعمل له، بارادتنا وبالنعمة التي أعطانا. والخيار لك.

من إختبارات ريمون ناضر:
ما بيِكفي تعرف الطريق تتُوصل لازم تِمشي عليها. ألله بيضوّيلك على الصفحات بَسّ لازم إنت تقرأ، الله بينوّرلَك دربَك بَسّ لازم إنت تمشي. ويللي بيطلَع، بيطلَع عإجرَيه، ويللي بينزَل، بينزَل عإجريه، ومَطرَح ما بتُوصل إجريك بيكونوا أخدوك.

صلاة:
إرحمني، يا الله، من أجلِ كثرةِ نعمتكَ، واغفر لي ذنوبي بفيضِ حنانكَ، وكما بسطْتَ اليدَ إلى سمعان، بينَ الأمواجِ فلَم يغرق، أُبسطْ إليَّ من داخلِ السَّماءِ يمينكَ وانتشلني.

أعترفُ، يا ربَّنا، أنَّني خطئتُ، وأعترفُ أنَّني زلَلتُ. كالخاطئةِ أصرُخُ، وكالعشَّارِ أتضرَّع: سامِح لي ذنوبي، وترأف وإرحمني.
(من البيت غازو الماروني)