" العدالة والرحمة"

Justice-and-compassion

 مع ريمون ناضر - آذار 2016 - سنة الرحمة

غالباً ما يطرح الإنسان أسئلة كثيرة عن عدالة الله وخاصة عندما ينظر إلى هذا العالم ويرى بمنظار إنساني وبَشَري أنّه لا يوجد عدالة في هذا العالم أو أنّ ميزان العدالة مختلّ، ويرمي هذا الإختلال على الله ويُسائل الله عن عدله وأحياناً يشكّك به.

لقد حَمل إرميا تساؤلات البشر منذ القِدَم: لماذا الأشرار يزدهرون ويتقدّمون؟ لماذا الأخيار والأبرار يتألّمون ويتعذّبون؟ لماذا لا يوجد مساواة بين البشر؟ منهم أصحّاء ومنهم مرضى منهم يعيشون طويلاً وآخرون يموتون باكراً، أغنياء وفقراء، جميلون وبشعون، أذكياء وبسطاء... وأسئلة لا تنتهي. وبعض الناس يقولون لو كنت مكان الله لخلقت العالم بشكل مختلف وجعلته أكثر عدلاً!!!

يَنشَدّ الإنسان منذ طفولته نحو المساواة بغيرِه ويرفض ألّا يتساوى بالآخرين. عندما نهدي جَمع أولاد صغار هدايا، أوّل ما نُراعيه هو المساواة بين الهدايا حجماً وقيمة خوفاً من أن يشعر أحدهم أنّه مظلوم. عندما نُوزّع الحلوى عليهم نسعى بكلّ جهدنا أن تكون الحصص متساوية إن حجماً أو عدداً لئلّا يعترض أحدهم ويزعل...

يتربّى الإنسان على مفهوم المساواة ويخلطه بمفهوم العدالة فيصبح في فكره أن العدالة مساواة. فبالنّسبة للأولاد إنّ العدالة هي المساواة أمّا بالنسبة للأهل فالوضع مختلف لأنّ لديهم مُعطيات مختلفة.

فهُم يعطون وقتاً أكثر للمريض بين الأولاد، ويُلبسون أكثر من يَبرد أكثر، ويُطعمون أكثر من هو أنحَل وأضعف صحياً، ويُعطون مالاً أكثر للذي هو بأكثر حاجة. فللأهل مُعطيات مختلفة تجعلهم يراعون الحاجة أكثر من المساواة وهذا ما يخلق أحياناً عدم فهم أو إمتعاض وإعتراض عند الأولاد الذين لا يعرفون مُعطيات الأهل.

فكذلك هو الحال مع الله. فنحن البشر لا نملك معطيات الله الذي يعرف كلّ شيء ويتعاطى مع كلّ إنسان إنطلاقاً من معرفته المُطلقة وبحاجة كلّ إنسان.

فالنبيّ أشعيا في الفصل 55/8 -9 يُوضح بكلام الله: "لأنّ أفكاري ليست أفكاركم وطُرقي ليست طُرقكم، لأنّه كما عَلَت السماوات عن الأرض هكذا عَلَت طُرقي عن طُرقكم وأفكاري عن أفكاركم."

منطق الإنسان هو منطق الشريعة: السن بالسن والعين بالعين، يواجه الشرّ بالشرّ والخطيئة بالخطيئة ويعتبر ذلك عدلاً. ولكن ليست هذه عدالة الله.

لقد واجه الله خطيئة الإنسان بأن مات لأجله: هل هذا عدل؟

يُعطينا يسوع أمثلة كثيرة يُظهر لنا من خلالها منطق الله لنلمس محبّته وعدالته.

لنتأمّل مَثَل عمّال الساعة الحادية عشرة في متى 20، لم يكن الأجر الذي دفعه ربّ العمل للعمال متناسباً مع عدد ساعات العمل. لقد دفع للكلّ أجرة نهار كامل. فالله ينظر إلى حاجة الإنسان ولا يريد أن تكون علاقته بالإنسان علاقة مرتزقة بل علاقة أبناء. لقد نظر بحنان إلى العمال المنتظِرين طوال النهار تحت حرّ الشمس دون أن يشغلهم أحد وهوَ يعرف أن لديهم أعباء وعائلات تنتظرهم لتأكل، لقد نظر إلى حاجاتهم فأعطاهم ما يحتاجون دون أن يظلم أحداً. فمِن منظار الله ألكلّ ربحوا أما من منظار البشر فلقد ثارَ العمّال لأنّه لم يساوي بينهم مع أنّهم أخذوا حقّهم كاملاً.

وفي متى 22، مَثَل وليمة العرس نتأمّل أيضاً بعدالة الله الذي دعا الجميع دون أي تفرقة ولكن شرطه الوحيد هو أن نرتدي حلّة العرس ونخلع حلّتنا القديمة.

وفي متى 25 مَثَل العذارى الحكيمات والجاهلات شرط العريس أن تكون المَصابيح مليئة بالزيت وفي مَثل الوزنات لم يوزّع الربّ الوزنات بالتساوي ولكن مُحاسبته كانت بعدلٍ، وفي مثل الإبن الضال واجه الآب خطيئة الإبن بأن أعاده إليه كما كان إبناً، مكرّما،ً معزّزا،ً محبوباً رغم إساءة الإبن الجسيمة.

فالزيت في المصابيح والوزنات والميراث يعبّرون جميعهم عن رحمة الله ومحبته وهو يريدنا أن نتشاركها مع كلّ البشر ونمنحها بمجانيّة كما وهبنا إيّاها بمجانية، بغضّ النظر عن الإستحقاق والمحاسبة. علينا أن نعطي مما أعطانا وكما أعطانا، فتتضاعف وزناتنا وتمتلئ مصابيحنا ونَحصل على ميراثنا وهوَ يعرف أكثر منّا بكثير كيف يُحاسب وكيف يعدل، فهو يرى كلّ شيء بينما نحن نظرنا قصير ومعرفتنا محدودة.

إنّ الله يدعونا جميعاً للدخول في منطقه لنفهم رحمته وعدالته. ومنطقه هوَ منطق الصليب إذا لم ندخل في منطق الصليب لن نفهم شيئاً وسنبقى نطرح أسئلة سطحية نبحث عن أجوبتها في عالم حائرٍ ضائع.

فلنتأمّل يسوع المصلوب على الصليب ونتّحد معه فهناك يبدأ فَهمنا لسرّ محبة الله ورحمته وعدالته. وخارج سرّ الصليب ستبقى أسرار الكون مبهمة ونبقى منغلقين على معرفة سطحيّة.

موقفنا تجاه كلّ الأسئلة عن رحمة الله وعدالته هو موقف الأبناء من الأهل ويتلخّص بكلمة واحدة: الثقة "يا يسوع إني أثق بك".

نثق بالله ثقة كاملة، نثق برحمته وعدالته وبكلّ أحكامه ونعرف أن الله رحوم وعادل، وهو يعرف حاجاتنا وضعوفاتنا ويشاركنا آلامنا ويعمل لخلاصنا، فلنثق به ولكن الشرط الوحيد هو أن نعمل بكلّ ما

يأمرنا به ونتبع وصاياه وألا نُحزِن الروح القدس الذي يعمل فينا لتقديسنا ونبتعد عن الخطيئة التي تشوّه صورته فينا وألاّ نسير بأرجلنا إلى هلاكنا الذي لا يريده الله لنا، لا برحمته ولا بعدالته، هو الذي رحمنا بموته عنا على الصليب.

من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:

"سلالَك الملياني هديّة من ألله إلك، قدّمها لألله بشُكر وإمتنان وألله بيغنيك، وسلالَك الفاضية، وحدها دموع توبتَك برحمة ألله من نعمة ألله بتملّيها، ونعمة ألله بتِكفيك."

صلاة:
"أيّها الربّ الإله، حبّك أقوى من خطايانا، ولذا فإنّكَ ترحّب بمن يسير إليك في طريق العودة، ترحّب بكل مَن يحمل إليك مَن شوّهتهُ الخطيئة، ترحّب بكل مَن يقوم بخطوة بإتجاهك فتلاقيه بأضعافٍ وأضعاف. ألا أنظر إلينا نحن الذين يعترفون بأنهم خطئوا إليكَ وإلى القريب، واجعلنا نتجدّد بتوبة صادقة فننعم بالفرح الذي لا يزول بالمسيح ربّنا."