وصار إنساناً

"وصار إنساناً" -  مع ريمون ناضر – كانون الأول 2016

إبن الله صار إبن الإنسان أي أنّ الله صار إنساناً كي يصير الإنسان إلهاً. سرّ تجسّد الله هو سرّ عظيم يفوق إدراك العقل البشريّ ولكننا نستطيع ملامسته واختباره بفعل الروح القدس الذي وُهِبَ لنا بفعل تجسّد المسيح. يقول القدّيس بولس في غلاطية 4/4 "ولكن لمّا جاء ملء الزمان أرسلَ الله إبنه مولوداً من امرأة..." ما هو ملء الزمان؟ لنستعرض الوضع الذي كان فيه العالم القديم زمن تجسّد الربّ يسوع. الله الخالق الكون بدقّة لا متناهية، إختار الزمان المناسب تماماً لتجسّد ابنه يسوع. فلم يأتِ بعد السقطة مباشرة ولا بعد الطوفان ولا بعد الوصايا والعبور ولا عند بناء الهيكل... أتى عندما أصبح العالم جاهزاً:

- كانت الفلسفة اليونانيّة في أوجّها تطرح إشكاليّة سرّ الوجود وتبحث عن حقيقة معنى الحياة وأهدافها.

- كانت الإمبراطوريّة الرومانيّة قد أنشأت شبكة طرقات تُوصل المدن جميعها ببعضها البعض في كافة أنحاء الإمبراطوريّة وهذا ما سهّل إنطلاق الرسُل وحركة تبشيرهم.

- كان اليهود يعيشون في جفاف تام بعد قرون طويلة دون أنبياء وقد بدأوا يشعرون بعجز الشريعة وينتظرون الخلاص.

- كانت اللغة اليونانيّة قد أصبحت لغة العالم القديم كلّه فكان التواصل البشري أصبح سهلاً بإعتماد لغة واحدة عالميّة.

في هذه الظروف المناسبة للتجسّد إختار الله أن يُرسِل إبنه إلى العالم وكذلك بنفس الدقّة إختار المكان والأشخاص والظروف المحيطة: بيت لحم، المزوَد، الرُعاة، المجوس، زكريا، أليصابات، سمعان، حنّة، هيرودس... والأمثل مريم ويوسف.

إختار أكثر الأماكن فقراً وتواضعاً وأكثر الأشخاص بساطة وطاعة في ظروف شرسة وقاسية. للإحاطة أكثر بسرّ التجسّد لا بدّ من جولة في الكتاب المقدّس على التعابير والأفعال والكلمات التي عبّرت عن هذا السرّ:

تجسّدَ أي صار جسداً، أصبح لاهوت وناسوت في شخص واحد إله وإنسان في شخص واحد، الكلمة صار بشراً ولكنّه بقي كلمة الله.

أتى: كان يلقّب المسيح "بالآتي"، "أأنتَ الآتي أم ننتظر آخر؟" "مبارك الآتي بإسم الربّ". هذا يعني أنّه كان في مكان وأتى إلى مكان آخر. كان أزليّاً موجوداً منذ البدء وأتى إلى عالمنا.

ظهرَ: كان غير مرئيّاً وصار مرئيّاً، صار يُرى ويُلمس.... أشرق: مثل الشمس عندما تكون غائبة وتُشرق فنراها ونُعاين نورها وهي كانت موجودة دون أن نراها.

نزلَ: نقول نزل من السماء لا يعني أخلى السّماء فهو إله مالئ الكون بحُكم لاهوته بالتجسّد تنازل وأخلى ذاته (فل2). اشترك (عب2/14) تشارك الأولاد باللحم والدم واشترك هو أيضاً كذلك شاركنا المسيح لحمنا ودمنا بواسطة أمّنا مريم العذراء التي أعطته هذا اللحم والدم. فهي شريكة التجسّد وفخر جنسنا البشري واحدة منّا أعطت الربّ لحمه ودمه من لحمها ودمها.

أخَذَ: آخذاً صورة العبد، أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. أخذ لحمنا ودمنا وطبيعتنا البشريّة وأعطانا روحه وطبيعته الإلهيّة. أخذ خطيئتنا وأعطانا قداسته. أخذ حُكم الموت عنّا وأعطانا الحياة الأبديّة. أخذ منّا العار وأعطانا المجد (وحّدتَ يا ربّ لاهوتك بناسوتنا ...أخذت ما لنا وأعطيتنا ما لك...)

دخل: كان خارجاً ودخل عالمنا من خلال أمّنا مريم العذراء...

ولكن لماذا تجسّد إبن الله؟ ماذا أعطانا بتجسُّده؟:

الخلاص: 
أتى إلى العالم ليُخلّص البشر ليُزيل حُكم الموت عن الإنسان. أتى ليُخلّصني أنا.

معرفة الله:
بالتجسّد صار الله مرئيّاً، مسموعاً، ملموساً... نتعرّف إليه وليس فقط نعرف عنه نعاشره نختبره وبالنهاية صار يؤكل.

البنوّة أو التبنّي:
أصبحنا أبناء الله بالمسيح. هو الإبن الوحيد من جوهر الآب نور من نور إبن الله أصبح إبن البشر فأصبحنا أبناء الله. فقد تبنّانا الله بإبنه يسوع. إنتقلنا من العبوديّة إلى حريّة الأبناء.

القداسة:
قبل التجسّد كانت الطبيعة البشريّة فاسدة بالخطيئة ولا يسكنها الروح القدس، بأخذ المسيح الطبيعة البشريّة، قدّسها وأصبَحَت مسكناً للروح القدس. تجسّدَ يسوع كي نأخذ الروح القدس من البشارة إلى الميلاد والدنح والشعانين والموت والقيامة والصعود، للوصول إلى العنصرة. مسيرة يسوع على أرضنا من أجل الروح القدس، أصبحنا هيكلاً للروح القدس، قدّيسين نحمل ملكوت الله في داخلنا.

أخذَنا إلى عالمه:
جاء إلى عالمنا ليأخذنا إلى عالمه.

إظهار حقيقة الإنسان كما أراده الله: 
بالتجسّد أعطانا يسوع الصورة الحقيقيّة للإنسان الكامل كما أراده الله عندما خلقه وقبل الخطيئة. فهو آدم الجديد الذي بواسطته عرفنا كيف يكون الإنسان الكامل بدون الخطيئة.

المشاركة:
شارَكَنا الله في طبيعتنا، عاش كلّ ما عشناه، أحسّ بكلّ ما نحسّه، عانى كلّ ما نعانيه.

بتجسّده قدّس المسيح حياتنا البشريّة: أكلَ وشرب واشتغلَ ونام وجاع وعطش وتألّم، قدّس حياتنا بكلّ تفاصيلها أرانا كيف نكون كاملين لنقتدي به. علّمَنا كيف تكون الحياة بالقداسة والنعمة. أتى ليُخلّصنا ويُعلّمنا. أتى لخلاصنا من الموت والفساد والعبوديّة، صالَحَ الأرض والسماء، هوَ الإله الذي ينتمي إلى السماء والإنسان الذي ينتمي إلى الأرض هوَ واحد مع الآب بطبيعته الإلهيّة وواحد معنا بطبيعته البشريّة.

جاء إليّ ليُخلّصني أنا ليَجعلني إبن الله. فعِيد الميلاد هو عيدي أنا أُعيّد فيه بنوّتي لله وخلاصي وحريّتي أُولَد أنا من جديد بالروح القدس والنعمة التي تجعلني إبناً لله، على صورة إبنه الوحيد.

من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
" الربّ بيتالّم لرؤية الناس يلّي تجسّد من أجلهم حتى يحرّرهم و مات و قام حتى يعطيهم الحياة والسعادة الأبدية، عبيد مكبّلين وعم يفتّشوا على سعادتهم بمطارح ما رح يلاقوها فيها:
الناس عم يفتشوا على السعادة بهالعالم، و بالحجر و بين البشر.
سعادتكم بهالعالم مش من هالعالم لأنو إنتو مش من هالعالم، لو كنتو من هالعالم كنتو بتبقوا فيه.

صلاة:
باركنا يا ربّ، واغفر لنا كلّ مرّة نستقيل من العيد، أو نفسده بأنانيتنا ولامبالاتنا. وأعطنا أن نتصالح مع ذواتنا أولا، فينعكس ذلك سلاماً حولنا، وتصبح عائلتنا مغارة تستقبلك، ومنارة تشعّ دفئا من دفئك، وحناناً من حنانك، ويصير لنا كلّ يوم تذكار ميلادك. لك المجد إلى الأبد. آمين.

(من كتاب صلوات العائلة)