الصليب مفتاح باب السما

the-cross-key-of-heaven

كثيرةٌ هي الأسئلة التي تدور حول سرّ الصليب، الذي يرمز أولاً إلى سرّ الفداء العظيم الذي به تجلّت محبَّة الله للبشر.

ولكن لماذا تبقى هذه العلامة للبعض رمزاً محيّراً؟ فنحنُ نفتخر بهذه العلامة فنعلّقها على صدورنا ونرفعها على جبالنا، وفي منازلنا، ونفرح عندما نراها في أيّ مكان، وفي الوقت نفسه نسمّي كلّ مصيبة صليب وكلّ ألم صليب، ونرفضه ونتجنّبه ونهرب منه ونخاف منه وننعت كلّ شيء يضايقنا أو يتعبنا بالصليب. فغالباً ما نعتبر كلّ إنسان غير مرغوب فيه صليباً أو أي ظرف قاسٍ نعيشه ولا نطيقهُ نسمّيه صليباً، وغالباً ما يصبح الصليب موازياً للتذمّر والتململ، وكأنّه لعنة في حياتنا أو قصاصاً. نعيش إذاً تلك الإزدواجيّة تجاه علامة الصليب: فهوَ علامة نحبّها ونفتخر بها ونرفعها شعاراً، وفي نفس الوقت، مصيبة نكرهها ونهرب منها أو قصاصاً نتجنَّبهُ.

فما هو الصليب إذاً بالنسبة لنا؟ وما دوره في حياتنا؟

إنَّ الصليب هو رمز المسيحيين منذ بداية المسيحيّة، يرسمه المسيحيّون أينما وُجدوا. يرفعونه على كنائسهم للدلالة على حُضورهم. وهو بالنسبة لهم رمزًا للبركة فيباركون به كلّ شيء، ورمزًا للقوّة، فهو علامة تحميهم وتعطيهم قوّة. يرسمون على وجوههم إشارة الصليب عند كلّ ظرف للشعور بحضور الله. وتُرسم علامة الصليب في كلّ أسرار الكنيسة والطقوس الليتورجيّة  مرّات عديدة.

فهو بالنسبة للمسيحيّين علامة محبّة الله للبشر ورمز الخلاص فلولا الصليب لما كان هناك خلاص. وهو علامة العدل الإلهي، الذي به أخذ يسوع عنّا خطايانا، وأخذ عنّا الموت الذي هو أجرة خطيئتنا وافتدانا.

إنَّ أكثر من تكلّم عن الصليب في بداية المسيحيّة هو القدّيس بولس الرسول: فقد قال في رسالة غلاطية (6 /14) "أما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلّا بصليب ربّنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم وفي رسالة كورنتس (1كو 1/ 23) ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وفي كورنتس أيضا (1كو2/ 2) يقول لأنّي لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلّا يسوع المسيح وإيّاه مصلوباً. وفي رسالة غلاطية (غل2/ 20) يقول مع المسيح صُلبت فلست أنا الذي يحيا بل المسيح يحيا فيَّ.

أمّا في رسالته إلى أفسس (أف 2/ 16 ) فيقول: يصالح الإثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به. وفي رسالة كولوسي ( 1/ 20 ) يقول أن يصالح به الكلّ لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه، بواسطته سواء كان ما على الأرض أم في السماوات.

سنركّز في لقائنا اليوم على هذه الناحية: الصليب هو قاتل العداوة وعامل الصلح، فماذا يعني ذلك؟ أي عداوة يقتل الصليب؟ بالصليب قد قتل يسوع ثلاث عداوات:

الأولى هي عداوة الإنسان لنفسه، والثانية عداوته مع الله والثالثة عداوته مع قريبه. وقد صالح المسيح الكلّ بدم صليبه.

1-عداوة الإنسان لنفسه:
هناك عداوة بين الإنسان ونفسه بسبب خطيئته أو ضعفه أو ما يرفض في نفسه. فالإنسان يكره خطيئته وضعفه وعقده والجراح التي فيه، أكان قد سبّبها هوَ أو سبّبها له أحد آخر. فتسكنه هذه الأشياء ولشدّة كرهه لها ومحاولة التخلّص منها، يصبح كارهًا لنفسه، عدوّاً لذاته. فبصليبه، يقول المسيح، للإنسان، أنا أحبّكَ كما أنتَ. إنسَ خطاياك فسأخلّصكَ منها بتوبتكَ، وأقبل ذاتكَ وضعفكَ، فأنا أحبّكَ حتّى الصليب. إنسَ ما وراءَكَ وامتدّ إلى الأمام، كما قال القديس بولس. أمثلة على ذلك بولس الرسول، المرأة الزانية، السامريّة، زكّا العشّار... تصالحوا مع أنفسهم قاتلين العداوة بيسوع المسيح.

2-عداوة الإنسان مع الله:
يرسم الإنسان في رأسه أحيانًا كثيرة فكرة خاطئة عن الله. فيعتبره غالبًا قاسيًا، ديّانًا، بعيدًا... ويُسقط البشر على الله صوَرًا بشريّة تشبههُم فيشبّهونهُ لهم، وتنشب عداوة بين الإنسان والله بسبب هذه الصورة الخاطئة والمشوّهة عن الله. فيسوع المصلوب يعطي الصورة الحقيقيّة لله المحبّة المُطلقة، اللامتناهية التي فدته وأخذت خطيئته بدم المسيح على الصليب. فبالمصلوب يتصالح الإنسان مع الله المحبّة، ويبني معه علاقة بنوّة واتّحاد، ويفهم أن الإنسان هوَ الذي أخطأ وأن الله  هو الذي يدفع ثمن خطيئته ويفتديه بدم ابنه الوحيد.

3-عداوة الإنسان مع قريبه:
من يتصالح مع الله ويتصالح مع نفسه، ويقتل العدواة داخله، يصبح من السهل جدّا عليه أن يصالح قريبه ويقتل كلّ عداوة معه. فعندما يدرك الإنسان محبّة الله اللامتناهية له، وعن غير استحقاق يحبّ قريبه أيضًا كما أحبّه الله، غير مبالٍ إذا كان الغريب يستحقّ محبّته أو لا. فكما يحبّه الله يحبّ قريبه. فيقول مع بولس، "مع المسيح صُلبْت  فلستُ انا الذي يحيا، بل المسيح حيُّ فيَّ".

فالصليب إذاً، هوَ علامة الصلح القاتل للعداوة. هو الجواب لكلّ تساؤلات البشر، عن سرّ الألم والفداء. هوَ المفتاح الذي فتح للإنسان معرفة سرّ محبّة الله، فاتحًا باب السماء للإنسان الخاطئ، بعد أن أخذ عنهُ خطيئته وافتداه. الصليب هو علامة محبّة الله، وتوبة الإنسان، والرجوع إليه ليدخل معه في الحياة الأبديّة. الصليب هوَ علامة الخلاص والبركة والقوّة، نرسمه على وجوهنا بفخر ومحبّة ونتبارك به، ونشهد لمحبّة الله لنا، جاعلين منه أيضًا علامة محبتنا لله.

من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
"الموت سكّر باب السما والخطيّة قفّلتو. الصليب هو المفتاح اللي بيحلّ قفل الخطيّة، بيحلّ غال الموت وبيفتح باب السما. الصليب هو مفتاح باب السما، ما في مفتاح غيرو."

"تاريخ البشر فارغ لولا الصليب، لأنّو تاريخ عابر والصليب ثابت. وتاريخك إنت بيكون فارغ بدون الصليب لأنّك عابر والمصلوب وحدو بيِحيِيك وبيثبتَك بحياة الأبد. الصليب هو اللي بيقدّسَك بالزمن."

صلاة:
إحفَظْ، يا ربَّنا، بصليبِ النّور، البيعةَ خِطِّيبتَكَ مِنَ الأضرار،
واختُمْ أولادهَا بعلامتِهِ الحيّةِ، لأنّهم يُزيِّحونَهُ في الأقطارِ الأربعة.
فليكنْ، يا ربّنا، صليبُكَ سوراً للبيعةِ المخطوبةِ بصلبِكَ،
ولا يتسلَّطنَّ الشِرّيرُ المحتالُ على أحبّائها المفتخرينَ بكَ.
من البيت غازو الماروني.

 مع ريمون ناضر - أيلول 2016 - يوبيل الرحمة