صُلب، تألم ومات وقُبر وقام

"صُلِبَ، تألم ومات وقُبرَ وقام" - نيسان 2013 - ريمون ناضر

نتابع معًا مسيرة التأمل بايماننا، سائرين مع قداسة البابا الفخري بندكتس السادس عشر في سنة الإيمان، ونشكر الله على الكنيسة التي تأخذ مع كل بابا جديد روحًا جديدًا وطابعاً جديدًا.

نلاحظ أن قانون الإيمان ينتقل من "تجَسّدَ من مريم العذراء" إلى صُلِبَ على عهد بيلاطس. ولا شيء بين هاتين الجملتين. لا يخبرون شيء عن حياة يسوع على الأرض... فقط تجسّدَ، صار إنسانًا، تألّمَ.
من مريم قمّة الطهارة والقداسة إلى بيلاطس قمّة الإجرام والأنانية.
وهذا كلّه للتركيز على سرّ الألم. والربّ يسوع لم يتألم فقط على الصليب، لم تكن آلامه فقط بالجلد والمسمار والحربة... آلام يسوع بدأت من التجسّد.
ما هوَ الألم، لماذا نخاف منه؟. للصليب وجهين، وجه الألم ووجه المجد. ومع الصليب نأخذ الوجهين، بدون الإثنين، الصليب ليس صليب الخلاص.
الألم هو سرّ، وليس هناك إنسان على الأرض بدون ألم. لماذا نتألم؟ ليس هناك جواب إلا عند المسيحيّ. وكميسحيّ، انا في انتصار يومي على الآلام التي تسببها لي بشريتي الضعيفة.
ويسوع يركز على حبّة الحنطة والابن الضال. حبة الحنطة إن لم تمت تبقى فارغة. لا تنتقل من حالة الى حالة إلاّ أن تموت عن الاولى لتحيا بالثانية. نحن البشر علينا ان نتحول لحالة لهيئة الحياة مع الله، وهذا يتطلّب موت عن الحالة الأولى والحياة البشريّة. وهذا لا يكون فقط بالآلام والأوجاع التي تعترض حياتنا من وقت لآخر، بمرض ما، او احباط ما، او أي ألم نفسي ما. هذه مرحلة، فيسوع قال لي إحمل صليبك كل يوم واتبعني، لم يقل إحمل عندما تكون متعباً او مريضًا أم محبطاً فقط.

مفهوم الألم الحقيقي هو الحبّ والحبّ مسبوك بطعم الخلود، بطعم الأبديّة، وأنا لست ابديّ، أنا إنسان فانٍ. أتألم لعدم القدرة على اتمام الحب الكامل. أنا أحب وارغب ان احب حتى الكمال. فهذا الحب يوجّع. فأنا انسان ضعيف بحاجة لتطهّر، وليس ما يطهّرني سوى الحبّ. الحبّ الصافي الحقيقي، حب الله الذي يأتي منه حبّي للإنسان. كلّ غصن ليثمر يقضّبه الآب ليعطي ثمارًا: هذا هو الألم، ألم التطهّر. الله محبّة، وانا فيه غصن عليّ أن أثمر، حياتي أعطيها فأكبر وأنمو. هذا هو الألم ذو الوجهين. ألم ومجد.
الألم مسيرة حياة. يسوع حمل كل حياته، اوجاعنا، ضعفنا، خوفنا، خطيئتنا، وموتنا. أخذ كل شيء ليعطينا الحياة. ونحن في كلّ مرّة نرفضه، كل مرّة نرفض مَن يحبه يسوع ولا نقبله، نحاكمه كما حاكمه اليهود. كل مرّة نهرب من محبة الناس لنرتاح، نهرب إلى الموت.
الإنسان لا يريد ان يموت. لكن في عالمنا المفهوم صار خاطئاً. نتمسك بهذه الحياة الفانية وننسى الباقية، مجتمعنا اليوم يشدّ الى الخلود في محاولات لاطالة العمر، هذه الخدعة تؤدي الى الموت. والربّ الذي مات عنّي، هل أطرده من حياتي لأني لا اريد ان أبذل ذاتي؟ لا أريد أن أحب.
سرّ الفداء يبدأ من التجسد. الربّ يسوع أتى يحرّرني من خطيئتي، أتى يعيدني الى بيت الآب، قدّم ذاته دون مقابل، دون ثمن ادفعه، افتداني لأعود، وهذا يتطلبّ منّي قبول هذا الفداء، قبول نعمة القيامة، قبول الحبّ. والحبّ متطلّب. الله يحبّني، يريد قداستي، يريد ان يدخلني معه بشراكة الحبّ. دفع كل ذاته ليعلمني كيف يكون الحب، كيف يكون العبور من الموت الى الحياة.
على الصليب الربّ اَسلَمَ روحه. فتح للإنسان باب العلاقة مع الله. في الموت يكون الإنسان وحده لكن بعد يسوع صار الإنسان يواجه الموت مع يسوع، صار الإنسان قادر ان يقول لله "بين يديك استودع روحي" صار يجتاز الموت مع يسوع، إذا كان هذا الإنسان من خاصته.
الربّ يسوع مات فعلاً، في جسده قُبرَ، كإنسان ماتَ، لُفّ بالأكفان وقام. القيامة أساس إيماننا.
بالقيامة عرَفَت البشريّة كلّ حياة يسوع وفهمنا سرّ التجسّد. لَو لَم يقم لما كنّا اليوم هنا. القيامة هي التي تجمع كلّ مسيحييّ العالم. حدث القيامة يقول لنا شيء أساسي: الحبّ اقوى من الموت. الحبّ قام من بين الاموات.
واليوم حبنا لبعضنا البعض اقوى من الموت، حبنا ليسوع اقوى من الموت. انت مسيحيّ حياتك هي لله وللآخرين. الحبّ الذي فيك يغلب الوجع. عندما أحبّ لا اموت. العبادة الوحيدة الصحيحة هي بذل الذات، هي أن تنفتح على الله والاخرين. التقدمة الوحيدة هي يسوع. كل العبادات الأخرى مشتقة من فعل الحبّ هذا. العلاقة مع الله ليست واجبات وطقوس. الممارسات الدينية مهما كانت اذا لم تكن طالعة من قلب مفتوح لحبّ الله والانسان فهي عقيمة.

علامات القيامة ثلاثة: القبر الفارغ وهذا ليس كاف لانهم سيظنون أنهم سرقوه حتى مريم المجدلية ظنت هذا، علامة ثانية، الظهورات، بدأ يظهر وسبّب لهم ارتباك لم يجرؤوا على السؤال لأن القيامة تصدم تذهل تتخطى فهم الإنسان. العلامة الأساسية هي إيمان الرسل، ظهورات شخصية، اختبارات شخصية. اختبروا المسيح القائم. الحدث التأسيسي هو الحبّ، هو قلب التلاميذ.
إذاً حدث القيامة هوَ حدث تأسيسي، منه انبثقت الكنيسة والرسالة وهذا لا يوصف، يتخطى قدرة البشر. ونحن اليوم مجموعين هنا من هذا الحدث التأسيسي. اختبار القيامة يصير بثلاث مراحل: شك، تعرّف واختبار، ورسالة. الحب اقوى من حياتي الشخصيّة واقوى من الموت. هذا صليب الخلاص، هذا يوجع صحيح، لكن هذا وجه للصليب يجب ان ننظر الى الوجه الثاني الذي هو المجد.