"نؤمن بربّ واحد يسوع المسيح، إبن الله الوحيد" - شباط 2013 - ريمون ناضر

مقدمة: في سنة الإيمان نتابع مسيرة نتعرف بها على إيماننا، ننزل كل مرّة اكثر واكثر الى العمق. تأمّلنا المّرة الماضية بالله الآب، علاقته بيسوع، ماذا بقي لنا؟ كلمة "بيّيِّ": نتعلم كيف ننظر إلى السماء ونقولها. كان همّ يسوع الأكبر أن يعرّفنا على هذا الآب، يدلّنا عليه، يكتشفه لنا في الكتاب المقدس نختبر العلاقة مع الأب بسبب ضعفنا البشري، لندخل معه بشركة حياة وحب، بينما مع أبائنا الأرضيّين نختبر حياة وشركة محدودة. أنا مدعوّ الى اللامحدود. والهدف من بناء العلاقة مع الآب أن اكون في ذات الوقت ابن له وبيّ استمد أبوّتي منه. أنا "بيّ" على صورة الآب أنظر إلى الخليقة من خلاله. وبالتالي أكون "بيّ" لأخي الإنسان ولكلّ مخلوقات الأرض. وكلمة "بيّ" تعني بيّ وأمّ. وهذا يتحقق تدريجيّا في مسيرتي، في علاقتي اليوميّة الثابتة مع الله الآب.

اليوم موضوعنا يسوع: تجسّد يسوع ابن الله خلقَ تضاربات في الفكر البشريّ: فالله هو الخالق أما يسوع الإله المتجسّد فهو بكر الخليقة، الله روح ويسوع إبن الله تجسّد، الله كليّ القدرة أمّا يسوع إبن الله فقد أُوثق واقتِيد. الله أبديّ لا يتغيّر وحاضر في كلّ مكان بينما نرى أنّ يسوع الله وُلِدَ، عاش ومات وصعد إلى السماء. العقل البشري لا يتحمّل إدراك فكرة عظمة الله والتي ظهرت مدى قوّتها عندما أخلى ذاته وتجسّد وبذل ذاته من أجل البشر.
يسوع الإنسان: هو يسوع الناصري الذي وُلِدَ طفلًا في بيت لحم، عاش في الناصرة، أمه مريم وأبوه يوسف، هو نجّار... تعلّم الكتب وكان ينمو بالحكمة والنعمة والقامة. تعرّف الرسل عليه كإنسان عاش معهم يأكل، يشرب، يتألّم، يتجرّب من الشيطان، يسجُد ويصلي كأي إنسان. ومع الوقت بدأت هويّته الإلهيّة تنكشف لهم. أنا اليوم مدعو أن أتعرف على يسوع الإنسان الذي أخذ كلّ طبيعتنا البشرية بضعفها ونقصها ليخلصها بكليتها ويرفعها إلى فوق. من المهمّ ان نلتقي بيسوع "إبن الإنسان"، نمشي معه في الطريق ونتعرف عليه.
يسوع المسيح: كلمة "المسيح" تعني الشخص الذي مسحه الله. انتظر الشعب اليهودي هذا المسيح الملك وتكلّم عنه الأنبياء وأعطوه أوصافاً وأوجُه عدّة. وجاء يسوع ولم يعرفوه. هو لم يقبل أن يسمّيه أحد "المسيح" لأنه لم يرد أن يظهر في صورة "المسيح الفاتح" الذي سيُعيد المُلك إلى إسرائيل بالقوة والعظمة، بل بصورة المسيح المتألم الذي سيبذل نفسه عن أحبائه.

يسوع إبن الله الوحيد: كان الشعب اليهودي متعوِّدًا على العجائب مع الأنبياء الذين كانوا يصلّون إلى الله فتتحقق المعجزة بقدرة من الله (موسى، إيليا، أشعيا...). أمّا يسوع فكان يشفي ويصنع العجائب بسلطانه وبقوّته الشخصية. أظهر يسوع كذلك أنّ لديه قدرة مغفرة الخطايا وكان يعلّم بسلطان ويرتفع فوق الشريعة. كل هذه الأمور بدأت تُظهِر في يسوع علامة الألوهة وبدأت تتبلور فكرة أنه إبن فريد لله. أنا إبن الله ولكن يسوع وحده هو إبنه الوحيد.

علاقة الاب والابن والروح القدس: ما يهمنا هو الجوهر. هناك: صورتين في محاولة توضيح هذه العلاقة. الصورة الأولى: صورة رياضيّة تُعطي شكل مثلث. الآب، الإبن والروح القدس، ثلاثتهم يكوّنون هذا المثلث وإذا زال أحد منهم يزول المثلث. الصورة الثانية: بشرية فلسفية. أنا أفكر: انا موجود، وفكرتي تنبثق منّي لكن هي ليست أنا، تتحول علاقة أو عاطفة أو حبّ. أنا، فكرتي وعاطفتي ثلاثة ولكن نحن واحد. الأهم أنّ الله محبّة، فهذه الفكرة تبسّط الأمور. الله محبة كيانه حب. الآب حبّ، والابن حبّ والروح القدس حبّ. الغاية من الحبّ هو الاتحاد. فالحبّ يخلق شوق للاتحاد. من يحبّ الآخر يرغب ان يتحد به ويطلع من ذاته ويعطي ذاته لمن يحب دون ان يذوب فيه، إذا ذاب لا يعود هناك آخر ليحبه. الآب هو حبّ كياني هدفه الاتحاد، والابن مساوٍ للآب في الجوهر. فعطاء الذات الكليّ عمل حب كلّي بواسطة الروح القدس الذي هو الثالث. يبقى الآب آب والابن ابن والروح روح والثلاثة واحد.
انا كإنسان عندما أحبّ شخص لا اقدر أن أعطيه ذاتي بكليتي لأنني محدود. لكنّي اتوق أن أعطي ذاتي بكليتي لحبيبي. الثالوث هو عيلة: مثلاً شاب يحبّ بنت، يرغب في أن يسكب ذاته فيها وأن يقبل أن تعطيه هي ذاتها دون أن يذوب الواحد بالآخر، هذا الشوق لا يتحقق بكامله لأنهما بشر ناقصين ومحدودَين، بينما الله قادر. الرجل والمرأة يتشوقان للاتحاد ليصيرا واحدا، لكن الذي يحدث أنهما يصيران ثلاثة. هذه ثمرة الحبّ إذ يصير الحب اقوى بوجود الثالث الذي يجسّد هذا الحبّ. نطلع الى فكرة الثالوت. كمال الاتحاد: الآب والابن والروح عيلة، الله منذ الازل متعدّد ليتبادل الحب. لا يقدر الله إلاّ أن يعطي ذاته لأنه حبّ. والحبّ يعطي ذاته، يتجسد، والروح القدس يُدخِل الإنسان بشركة مع الاب والابن فيجعله بعلاقة كيانية. علاقة تحولنا إلى القداسة.
هدف الله من خلق الإنسان أن يدخل معه بشركة حبّ ويحوّله ليصير على صورته ويتّحد به. كل هذا تحقق بسرّ التجسد بيسوع المسيح، المولود من الاب وهو من الأزل في حضن الله. هوَ من الله وفي الله قبل كل الدهور. منذ البدء الله عيلة، منذ الأزل قبل الزمن ونفس جوهر المحبة.

مراجع للتأمل: يوحنا 14/7-11. روما 14/7-9، 8/14-17و 8/29-30. أفسس 1/ 3-10 و1/17–23.

فرض لهذا الشهر: البحث في الأناجيل والرسائل عن الآيات التي يظهر فيها يسوع "الإنسان" والآيات التي يظهر فيها يسوع "الله". ويتبادل الأشخاص الآيات مع بعضهم البعض طيلة هذا الشهر.

من الإختبارات: ما تتعبوا تفتّشوا على الحقيقة خارج المسيح. ما في حقيقة خارج المسيح. المسيح هوّي الحقيقة وبسّ تعرفوا المسيح بتعرفوا الحقيقة وبتصيروا أحرار، والمسيح بدّو ياكم أحرار. ما تخافوا تقوّوا وتأكّدوا ووثقوا منيح إنّو المسيح غلب العالم.

صلاة: "أؤمن بك أيها الآب "أبي"، أؤمن بابنك يسوع الهاً وإنسانًا، اؤمن بعمل روحك. أرفع رأسي صوب السماء، أناديك "أبي"، "أبي" عظيم أنت يا أبي، صغيرٌ أنا يا أبي. شكرًا لأنك ارسلتَ يسوع فلولاه لما عَرفتُك. معكَ يا يسوع اتقوّى، أتشجّع، لَبِسْتَ إنسانيتي، شَعَرتَ أحاسيسي، تألمتَ آلامي، فَرِحتَ فرَحي تَعرفُ قلبي وعمقَ أعماقي، تَدخلُ الى مكان وحدتي وغُربتي، تؤآسيني، تُحبّني، تَتبَعني قبلَ ان تجعلني أتبعك، تخافُ عليّ حتى عندما أهرب منك، أخذتَ صورتي كي تطبعَ فيّ صورتك. يا يسوع أحبك، أفرحُ لأنك تحبّني، أبتهجُ لأنك إلى الآب تدلّني، بدونكَ أنا لا احد. لكن معك انا ملكٌ، انا إبنٌ، أنا أبٌ. أحيانًا كثيرة لا أفهم، لكن أثق. قوّني لأتمّمَ عملي وقُدني إلى بيتِ الآب وبروحك حوّلني."