"نؤمن بإله واحد آبٍ ضابط الكلّ، خالق السماوات والأرض" - كانون الثاني 2013 - مع ريمون ناضر

في الشهر الماضي تأملنا كيف أنّ الإيمان المسيحي يقتضي بأن نبني علاقة شخصية مع يسوع كي نصبح على صورته. "تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز والصلوات": هي الأعمدة الأساسية التي بُنيت عليها الكنيسة والتي هي قائمة على العلاقة بيسوع. قوّة ومحرّك الكنيسة هي، لأنها تجسّد حضور يسوع.
كل واحد منا وصل إليه الإيمان بطريقة ما. في هذه السنة، علينا أن نعمل لننقي ايماننا ونثبته بحسب إيمان الكنيسة. الكنيسة هي التي توصل إلينا الإيمان الصحيح ونحن نختبره ونعيشه. قانون الإيمان التي وضعته الكنيسة يختصر كل عقيدتنا المسيحية. كل كلمة منه، هي ثمرة تأملات وإختبارات ومجالس كنسية.

سنتأمل في هذا الشهر بايماننا بالله الآب: "نؤمن، بإله واحد، آب، ضابط الكل، خالق".

- نؤمن: أي نثق بالله ونضع كل رجائنا فيه.
- إله واحد: كانت الشعوب القديمة تعبد آلهة متعدّدة تظنّ أنّها كانت تؤمّن لها حاجاتها الأساسيّة للعيش. فالبعد الحيوانيّ عند الإنسان يخضع لقانونين: قانون المحافظة على الذات الذي ينتج منه الخوف والجوع وقانون التكاثر الذي تنتج منه غريزة الحب للآخر. عبادة آلهة السلطة والتملّك والجنس ما زالت حتى اليوم حتى من خلال عبادة المال الذي يستطيع أن يؤمن لنا هذه الحاجات وينمّي فينا البعد الحيواني ويجعلنا نستغني عن الله الذي ينمّي فينا البُعد الإلهي. نؤمن بإله واحد يعني أني أتخطّى طبيعتي ولا أعبد أي من هذه الآلهة الثلاثة بل أعبد إله واحد آب.

- آب: كلمة "بيّ" فيها حميمية أكثر. لأنّ "البيّ" هو الذي نثق به وبأنّه الأقوى وهو الذي يمنحنا الحماية والأمان والمحبة والعاطفة. هذه الصورة تتشوّه أحيانًا عندما نقاربها بصورة الأب الأرضي. فلا يوجد أيّ أُبوة تُشبه أبوة الله الذي في السماء والتي تُستَمَد منها كلّ أبوّة على الأرض.
الله كشف عن نفسه ودخل تاريخ البشر وكان يسوع في كلّ الوقت يجتهد كي يظهر لنا صورة الله الآب الحقيقية. الإله يعطينا إنطباع رهبة وبُعد، أما الإنطباع الذي يعطينا إياه الآب فهو الحنان والقُرُب.

-ضابط الكلّ: يعني الكليّ القدرة. أنا بحاجة إلى إله قويّ قادر على كل شيء. في منطق البشر القوة تعني السلطة، السلاح، العنف. أما مفهوم القوة عند الله فهي القوة السُمية التي يمكنها أن تتخلى كلياً عن القوة وتبقى قوية. الله هو كلّيّ القدرة في المحبة لأن كيانه هو محبة.
محبة الآب لا تفترض أي شيء من قبلنا. الله أخذ المبادرة وهو يحبنا قبل أن نتكوّن وحتى عن غير إستحقاق، نحن مشروعه وأحبّاءه. الله يحبنا هذه المحبة بلا حدود ولا شروط وبدون مقابل. محبة الله أكبر وأوسع من محبة أهلنا لنا. الله الكلي القدرة يرتبط بمحبوبه إلى ما لا حدّ له.

خالق: الأبوّة تعني الخلق . الله هو الذي أعطى الحياة هو أب البشرية. خالق لا يعني خلق وانتهى، بل خالق يعني ما زال يخلق، فعملية الخلق ما زالت مستمرة.
الله وضعنا في هذا الكون لنعيش فيه ونبنيه ونحترمه لأننا بهذا نعمل دور الله في الخليقة. نحن لسنا عبيداً على الأرض بل شركاء الله. نحن نخلق مع الله. الله هو النبع والخليقة هم السواقي والأنهار التي تنبثق منه وما يزال مرتبطًا به. أنا أنبع من قلب الله وفي النهاية سأعود إليه.
صورة الآب نراها في مار شربل، نسميه أبونا شربل، هو الذي استمد هذه الأبوة من الآب، القلب الذي يدفق أبوّة. أبوّة مار شربل تنبع من النبع الأساسي وتدفق في قلب العالم.

الأسئلة: ما هي علاقتي بالآب أي بأبي السماوي؟ من هو أبي السماويّ؟ كيف أصف هذه العلاقة؟ هو الكليّ القدرة، فلماذا لا يحقّق لي دائمًا ما أريده أنا؟

للتأمّل خلال هذا الشهر: لوقا 15/11، متى 6/25-34، لو 12/ 22-31، لو11/11، متى 23 /9، متى10 /29-31، متى 5/43، أفسس1، أفسس 3 /15، مز 139، مز 103، سفر الخروج + التأمّل بعلاقة يسوع بالآب وكيف كان يكشف لنا عن صورته + والتأمل في صلاة العيلة "يا قلب الآب غمر الحبّ العظيم..."

من الإختبارات: إلى عالم الله طريق والطريق هو المسيح. المسيح هو حقيقة المحبّة المتجسّدة، ...
كلّ إنسان خلال رحلته عابرا هذا العالم إلى العالم الآخر، مدعو لسلوك هذا الطريق... . الزاد الوحيد لهذه الرحلة هو المحبّة والسلاح الوحيد هو المحبّة. هذه المحبة لا تكون إلا شاملة لكلّ البشر، بدون مقابل بلا حدود وبلا شروط. هكذا يحبك الله، فأحبّوا بعضكم بذات المحبة، بمحبة الله. فتكونوا أبناء الله. من قلب الله خرج الإنسان وإلى قلب الله يعود.

صلاة: "أبتِ، إني أسلم لك ذاتي، فأفعل بي ما تشاء، ومهما فعلت بي فأنا شاكر لك.
إنّي مستعدُ لكل شيء، وأرتضي بكل شيء. ليس لي رغبة أخرى يا إلهي، سوى أن تكمُل إرادتُك فيّ وفي جميع خلائقك. إني أستودع روحي بين يديك، وأهبها لك يا إلهي، بكل ما في قلبي من الحب، لأني أحبك، ولأن الحب يتطلب مني أن أهب نفسي، أن أودعها بين يديك، من دون مقياس، وبثقة لا حدّ لها، لأنك أبي."
الأب انطوان شفرييه.