من أقوالِ مار إسحقَ السِّرياني في الصوم المقدَّس

من أقوالِ مار إسحقَ السِّرياني(أواخر القرن السابع) في الصوم المقدَّس

 

مائِدَةُ الإنْسانِ الذي يُدَاوِمُ الصلاةَ هِيَ أَحْلَى مِنْ عِطْرِالْمِسْكِ وأَذْكى مِنْ أرِيجِ الزَهْر، وَمُحِبُّ اللهِ يَتُوقُ إِليْهَا كَإلى كَنزٍ لا يُقَوَّمُ بِثَمَن. خُذْ لِنَفْسِكَ شِفاءً لِحَيَاتِكَ مِنْ مَائِدَةِ الصائِمينَ الساهرِين، أُولَئِكَ العاملِينَ في الرَّبّ، وانْهَضْ بِنَفْسِكَ مِنْ مَواتِهَا. بَيْنَ هؤُلاءِ يَتَّكِىءُ الحَبِيب، ويُقدِّسُهُم مُحوِّلاً مَرَارَة رِيقِهِم إلى حَلاوَة تَفُوقُ التَعْبِير.

حينَ يَنْحُلُ الجَسَدُ بِالأَصْوَامِ والإمَاتَة، تَتَشدَّدُ النَّفْسُ بِالصَلاة.

ألجُوعُ أكْبَرُ مُعِينٍ على تَهْذِيب الحَوَاسّ.

في بطنٍ مُتْخَمٍ بالأطْعِمَة، لا مَكَانَ لِمَعْرِفَةِ أسْرَارِ الله.

كلُّ كفاحٍ للخطيئةِ وشَهَواتِهَا يجبُ أنْ يبتدِىءَ بالصَوْم، خصُوصَاً إذا كان الجِهَادُ يَتَناوَلُ خَطِيئَةً داخليَّة.

إذا ابْتدأْتَ بالصومِ في جهَادِكَ الرُوحِيّ، فقد أظْهَرْتَ كُرْهَكَ للخَطِيئَة، وصارَ النصْرُ مِنْكَ في منالِ البَاع.

ألصَوْمُ بَدْءُ طريقِ اللهِ المقدَّس، وصَديقٌ ملازمٌ لكلّ الفضائِل.

ألصَومُ مقدِّمةٌ لكلِّ الفضَائل، بَداءَةُ المعركَة، تاجُ النَصْرَانِيَّة، جمالُ البَتوليَّة، حِفْظُ العفَّة، أبُو الصلاة، نبعُ الهُدُوء، مُعَلِّمُ السُكُوت، بشيرُ الخَيْر.

بمُجرَّد أن يبدأَ الإنسانُ بالصَوْم، يتشوَّقُ العَقْلُ عِشْرَة الله.

حينَ أظْهَرَ مُخلِّصُنا الصالِحُ نفسَهُ للعالَمِ عندَ الأرْدُنّ، ابتدأَ من هذه النقطَة: فوْرَ اعتمَادِهِ، قادَهُ الرّوحُ إلى البرِّيَة، فصَامَ أرْبعِينَ يَوماً وأربعينَ ليلَة. وكلُّ الذينَ يُريدونَ أنْ يقتَفُوا خُطاه، يجبُ أنْ يؤسِّسوا جهادَهُم على نَمُوذَجِ عَمَلِه.

يُقَالُ في الشهداءِ إنَّهُم، حينَ كانَ يَبْلُغُهُم خَبرُ اليومِ الذي سينالونَ فيهِ إكليلَهُم، لا يذوقُونَ شيئاً بتَّةً في الليلةِ السابِقَة، ولا يتناولونَ طعامَاً، ولكنَّهم ينتَصِبُونَ منَ المَسَاءِ إلى الفَجْرِ في الصلاةِ، مُتَيَقِّظِينَ قي شكرٍ وحمدٍ، بتراتيلَ وتماجيدَ وتسابيحَ وألحانٍ روحيَّة شجيَّة، مسرورينَ منتعشينَ، مترقِّبينَ تلكَ اللحْظَة، كما يشتاقُ النَّاسُ إلى دخولِ بيتِ العرْس. يتوقونَ، وهمْ صائمونَ، إلى ضربةِ السَيْفِ يُكَلِّلُهم بإكليلِ الشَّهادَة.

ونحنُ، أيُّها الإخوة، هكذا يجبُ أنْ نكونَ على الدَّوام، مُسْتَعِدِّين متوقِّعين الشَّهادةَ الخفيَّة ونوالَ إكليلِ الطَّهارَة.