كان يزداد صراخاً: "يا ابن داود ارحمني!"

jesus-son-of-David-have-mercy-on-me

وصَلَ الرَّبُّ إلى أريحا، وأنهى عملَهُ في المدينة، وهوَ في طريقهِ للخروجِ منها، ومعهُ الجَمعُ والتّلاميذ، مرَّ مِن أمامِ أعمى، شحّاذٌ اِسمهُ برطيما، وكأنَّ هذه الفرصةَ لن تَتكرّرَ، فالرَّبُّ دَخَلَ وأنهى زيارتَهُ وها هوَ يُغادِر. فَسَمعَ برطيما، وأخذَ يَصرخ. فهذه الفرصةُ ربّما لن تَأتيه مرّةً أخرى. صرَخ، يا اِبنَ داود، اِرحمْني.

الرَّبُّ هُنا، وهوَ واثِقٌ من النِّعمةِ الّتي سيَنالُها. فصرخَ. ولمّا حاولُوا أن يُسكِتوهُ، اِزدادَ صُراخًا. فلن يَمنعَهُ شيءٌ مِن طلبِ الرّحمةِ، لن يمنعَهُ شيءٌ مِن الحصولِ على النِّعمة. وصراخهُ اِستدعى توقُّفَ الرَّبِّ. فتحوّلَ الّذينَ كانُوا يُريدونَ إسكاتَهُ، إلى مَن يُنادونَه. فالرَّبُّ توقّفَ لأجله. قُمْ، ثِقْ. إنهَضْ. الرَّبُّ يَدعوكَ. الرَّبُّ توقّفَ لأجلِكَ. الرَّبُّ هُنا. قُم.

فقامَ، هوَ الّذي رغمَ عمى نظرهِ، لكنّهُ كانَ يُبصِرُ ببصيرتهِ أكثرَ من كثيرينَ، قامَ ورمى عنهُ كلَّ قديمهِ، رمى كلَّ ما يَملكُ، فأمامَ حضورِ الرَّبِّ لم يَعُدْ لشيءٍ أهميّة، فهوَ الّذي سيملأهُ، هوَ الّذي سيُحييه.

ماذا تُريدُ، وكأنَّ الرَّبَّ لا يَعلَمُ، لكنّهُ يُريدهُ أن يُعلِنَ إيمانَهُ أمامَ الجمعِ، يُريدهُ أن يَطلُبَ، يُريدُ أن يَشفِيَهُ، ويَجعلَ منه شاهِدًا ورسولًا.

يا ربُّ، أن أبصِرَ. قالَ ما يُريدُ بحرقةٍ كبيرةٍ، وإيمانٍ أكبر. قالَ بثقةٍ، ونالَ بحسبِ إيمانهِ. إذهَبْ إيمانُكَ خلّصَكَ.

ونحنُ، هل يُخلِّصُنا إيمانُنا. أمامَ صعوباتِ حياتِنا، أمامَ الظّلماتِ الّتي تُداهِمُنا، هل نصرخُ إلى الرَّبِّ، إلى النّورِ الآتي إلى العالمِ، هل نصرخُ بثقةٍ، طالبينَ النّعمةَ، الّتي لن يَبخُلَ بها الرَّبُّ أبدًا على مَن يَسأل.

يا ربُّ، تعالَ أنِرْ ظلماتِ حياتِنا، تعالَ وألمسْ إعاقاتِنا، طهِّرْنا، جدِّدْنا، وأعطِنا أن نُبصِرَ، فنَراكَ ونفرَح وتمتلئ حياتُنا حبًّا وحنانًا ورحمةً من حبِّكَ وحنانِكَ ورحمتِكَ.

     جميع حقوق نشر التأملات محفوظة لعيلة مار شربل