النــور

"أنا نور العالم، من يتبعني لا يمش في الظلام، بل يكون له نور الحياة" (يو 8 : 12).

النور
النور هو الرمز الأبرز في المسيحيّة، إذْ إنّه يحتلّ مركز الصدارة في الكتاب المقدّس. هو خليقة أبدعها الله، وهو الإطار الذي يتمُّ فيه عمل الخالق. في اليوم الأوّل من الخليقة "قال الله: "ليكن نور"، فكان نور. ورأى الله أنّ النور حسن. وفصل الله بين النور والظلام. وسمّى الله النور نهاراً، والظلام سمّاه ليلاً. وكان مساء وكان صباح: يوم أوّل". (تك 1 : 3 – 5).

لقد أظهر الله للبشر وجهاً منوَّراً مفعماً بالرفق والحبّ: "أطلع علينا نور وجهك، يا ربّ" (مز 4 : 7).

إنّ الله نورٌ لا ظلام فيه" (1 يو 1 : 5). ويسوع المسيح هو النور الآتي إلى العالم لينير كلّ إنسان. "أنا نور العالم، من يتبعني لا يمش في الظلام" (يو 8 : 12).

والروح القدس الذي يُمنح لطالب المعموديّة والتثبيت يُنير القلوب: "هلمَّ أيُّها الروح القدس وأرسل من السماء شعاع نورك". لذلك فإنّ المسيحيّين مدعوُّون للعيش كأبناء النور. "أنتم نور العالم... ليضئ نوركم أمام الناس" (متّى 5 : 14 – 16)...

كانت الطقوس تقام قديماً في الليل أو عند مطلع الفجر؛ وكان من الضروري دائماً استعمال الأنوار ولم يُنسب للنور، يومذاك، أيّ معنى رمزيّ. إنّ أوّل مَنْ ذكر بعض المعاني الرمزيّة للنور في الطقوس المسيحيّة هو القدّيس إيرونيموس، إذ قال إنَّ الأنوار، في كلّ كنائس المشرق، كانت تُضاء عند قراءة الإنجيل، حتّى وَلَوْ كانت الشمس ساطعة، وذلك ليس لإبعاد الظلمة بل للإعلان عن فرح القلوب السامعة. فالنور كما الظلمة يشاركان في معرفة الله ومسيحه.

ويُنسَب أيضاً للنور قوّة تخويف الشياطين وطردهم، لأنّه كان يُعتقد أنّهم يسكنون مواضع الموت والظلمة؛ وبما أنّ الجنود الرومانيّين كانوا يضعون الأنوار حول القيصر، أخذ المسيحيّون يرافقون دخول البابا أو الأسقف إلى الكنيسة بشموع مضاءة علامة الوقار لصاحب السلطة الروحيّة.

أمّا رمزيّة النور في الطقوس المسيحيّة، وبخاصّة في زمن المجيء، والميلاد، والفصح، وفي المعموديّة، فمعناها أنّ المسيح هو "نور العالم": "أنا نور العالم، من يتبعني لا يمش في الظلام، بل يكون له نور الحياة" (يو 8 : 12). وجاء في الأنبياء والمتكلِّمين عنه: "قومي استنيري فإنّ نورك قد وافى ومجدَ الربّ قد أشرق عليك" (أش 60 : 1)؛ "فقد ظهر للمقيمين في الظلمة وظلال الموت ليسدِّد خطانا لسبيل السلام" (لو 1 : 79).

فالنور هو أفضل رمز لطبيعة الله بما أنّ الكتاب المقدّس يقول: "إليكم البلاغ الذي سمعناه منه ونُخبركم به: "إنّ الله نورٌ لا ظلام فيه" (1 يو 1 : 5). وإنّ يوحنا المعمدان جاء شاهداً للنور فيؤمن عن شهادته جميع الناس (يو 1 : 7).

وكان طالب المعمودية، في أثناء منحه السر، يتسلّم نور المسيح عند إعطائه شمعة مضاءة. وبما أنّ الإنسان، بواسطة النور، يستطيع رؤية الأشياء على حقيقتها، فهكذا بواسطة تعاليم يسوع وتبشير رسله، الذين دعاهم نور العالم، يتمكّن المرء من معرفة الحقّ. وكما أنّ النور يعطي الحياة للنبات وينعش الحيوان كذلك قال يوحنا الإنجيلي عن المسيح أن "فيه كانت الحياة والحياة نور الناس"

المرجع: الرموز المسيحيّة للخوري ناصر الجميّل