الــوحــدة - الخوري أنطوان بشعلاني

 عيلة مار شربل - عنايا – الجمعة في 24 / 1 /2003
الخوري أنطوان بشعلاني

الموضوع: الـوحـدة (أف 2 / 1 – 22 )

مجانية الخلاص: (أف1 – 10):
يوضح القديس بولس بأن البشرية بشقّيها المعروف منه، أي الوثني(1-2) واليهودي(3) قد عاشا واختبرا الخطيئة قبل الاهتداء إلى يسوع المسيح.
هذه الخطيئة التي هي حالة رفض الله والبعد عنه. فالوثنيون قد عرفوا الله ولكنهم عبدوا الأصنام والأوثان. واليهود عرفوا الله ولكنهم عاشوا الخيانة وابتعدوا عن الله.
هذه الخطيئة كانت ولا تزال السبب المباشر لبعد الإنسان عن الله، هي نفسها سبب البعد عن أخيه الإنسان (هابيل وقايين – بابل ...). وهي مصدر كلّ الخلافات والإنشقاقات والخصومات والصراعات القائمة بين البشر على جميع مستوياتها وأنواعها.
إن الوثنيين واليهود شريكان منفصلان في عيش اختبار الخطيئة كلّ من موقعه ومفاهيمه، وبالتالي سيتشاركان مجتمعين في نيل الخلاص الآتي بيسوع المسيح وحده. هذا الخلاص ليس من صنع الإنسان إنّما هو عطية مجانية من الله تقبل بالإيمان. هذا الإيمان الذي يجسَّد بقبول الإنسان أن يسلك في طريق الخلاص بالأعمال الصالحة التي هي دعوة ملازمة للمؤمن، وعطية مجانية من الله، من خلالها يحقق ما سبق فأعدّ له من الخير.

ونحن نصلي اليوم لوحدة المسيحيين هل نعي مدى حبّ الله لنا ورحمته ومجانية الخلاص التي أفاضها علينا بابنه يسوع المسيح؟ ألا يجب أن نخجل من خطايانا التي كانت ومازالت السبب الرئيسي والجوهري في خلافاتنا وانشقاقاتنا؟ على مستوى البيت الواحد والعائلة والطائفة الواحدة؟
كم محبتا ضيقة ومحدودة ومأسورة بمواقف وأوضاع وأشخاص محددين؟
فلنصلّ ليعطنا الروح القدس نعمة القبول والاستسلام بين يدي الربّ على مثال أمنا مريم فنقبل الخلاص المعطى لنا بإيمان كبير طارحين خطايانا بين يديه لنسير سيرة القديسين ونعمل أعمال أبينا الذي في السماوات.

في المسيح تمّت المصالحة بين اليهود والأمم (11 – 22):
يذكّر القديس بولس بواقع البشرية الماضي المنقسم إلى عالمين:
•عالم وثني أقلف ومرذول ومحروم من الوعد والإيمان بالله ومن الرجاء، فهو من لا رجاء له.
•وعالم يهودي مختون ومختار يعيش الوعد والرجاء والإيمان بالله. (11 – 13)
إن هذين العالمين المتناقضين والمختلفين والمتخاصمين، الذي لا جامع بينهما البتة قد صالحهما المسيح وأصبحا "إنسانا جديدًا". هذا الإنسان الجديد آدم الجديد هو المسيح القائم من الموت ممجدًا. (15)

ولكن كيف تحققت المصالحة؟
•أولاً: بدم المسيح الذي غسل خطايانا وصار دم الحمل الوحيد المقرّب لفداء الناس فيصبح كأس الخلاص الوحيدة لكل البشر فجمع اليهود والوثنيين بدمه (13).
•وثانيًا: بصليبه، أي بموته وقيامته: فاستأصل حاجز العداوة، الجدار الأوسط الفاصل (إشارة إلى الجدار الذي كان يفصل اليهود والوثنيين في داخل هيكل أورشليم. والمقصود هنا أولاً: شريعة موسى وثانياً: العداوة التي قامت بالخطيئة بين الله والناس أجمعين. بين عالم السماء وعالم الأرض.) بين اليهود والوثنيين وخلق من الإثنين، في شخصه، شخصًا واحدًا جديدًا. (14 – 15)
وكما أن المسيح المائت والقائم هو جالس عن يمين الآب هكذا كلّ البشرية المتجددة لاقت طريقها إلى الآب (16 – 18).
ونحن اليوم من تعمدنا بموت وقيامة الربّ يسوع، نحن الذين نعترف بأنه اشترانا بدمه وطهرنا من خطايانا كيف يمكننا إلى اليوم ألا نلتقي ونتّحد بينما هو وحّد بدمه وصليبه من لا جامع بينهما؟
في أي طريق نريد أن نصل إلى الآب ونحن قد ضيعنا مَن هو الطريق والحق والحياة؟
كيف نريد أن نكون شخصًا واحدًا ونحن غارقون في أنانياتنا وكبريائنا وغرورنا؟
فلنصلّ شاكرين في هذا الوقت على كل روح انفتاح وتواضع وحوار أوجده الروح القدس في قلوب المؤمنين والمسؤلين في كنائسنا.

الكنيسة "ملء المالئ في الكل" (أف 1/ 23):
بجواب على المقطعين السابقين يوضح القديس بولس أننا لم نعد غرباء ولا نزلاء. فنحن بناء جديد لبشرية جديدة في الكنيسة، تجمع الوثنيين واليهود، في هيكل واحد، مكرّس لعبادة الربّ الكاملة، على أساسه الرسل والأنبياء، وحجارته المؤمنون على الأرض، ورأس البناء، حجر الزاوية والعقد، هو يسوع المسيح الممجدّ في السماء.
فالكنيسة على الأرض هي مسيرة دائمة مشدودة أبدًا إلى المسيح الذي في السماء. لماذا؟
لأنها هي جسده "ملء المالئ الكل في الكل" (1 / 23)، لأنها جسده السرّي، تضم كل الخلق الجديد الخاضع للمسيح "مالئ الكل"، لأن الكنيسة تمتلئ منه حياة إلهية، ثم تفيضها على الكون أجمع.

ونحن مسيحيي اليوم كيف نكوّن هذا الجسد الواحد. كيف نتخاصم فيما بيننا نحن الأعضاء ليكون هو الرأس لجزئنا نحن دون الآخرين؟ وكأننا لا نعلم بأنه أتى ليكون رأس الجسد كله ولن يكون إلاّ رأسًا واحدًا للجسد الكامل؟
عالمنا ينتظر منا أن نكون هذا "الملء المالئ الكل في الكل" الذي يشرب من يسوع المسيح المحبة ليفيض عليه منها وحدة وإلفة بين أبناء البشر المشتتين في العالم، فماذا نقدّم له؟

خاتمة:
إن الوحدة لن تكون سوى ثمرة المحبة التي تساعدنا على تخطي عقبات العقائد والتعقيدات، وعلى طي صفحات الاختلافات والخلافات، فلنصلّ لروح المسيح القائم من الموت بأن يزرع فينا محبته صانعة المعجزات لنكون كما صلى هو واحدًا باسمه. آمين