مريم الملكة والأم

"مريم الملكة والأم" مع ريمون ناضر – أيار 2014

الليلة ذكرى مولد القديس شربل الـ168 فالقديسون يعيشون للأبد.

نبدأ من سفر التكوين، خلق الله آدم وحواء، وكان بين الله والإنسان عهد حُب، وبين آدم وحواء نفس عهد الحُب. ولكن أين صار عهد الحب عندما تقدّمت الحية من حواء وهي كما يسميها الكتاب المقدس نحاش أي تنين؟ كان آدم قربها ناولته وأكل، لم يتدخّل لينبّهها  لكنه أكل مثلها. ولما اكتشفوا عُريَهُم، هربوا من وجه الله. "آدم أين انت" سأل الله، لم يدافع عن حواء بل اتّهمها واتّهم الله معها: "هي المرأة التي أنتَ أعطيتني اياها". وبسبب الخطيئة كُسِرَ عهد الحُب بين الله والإنسان. وصارت البشرية بحاجة إلى آدم جديد وحواء جديدة. فقال الله للحية، أضَع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلِكِ ونسلِها. وهذه الحية ستسعى دومًا لتُسقط الإنسان.
في سفر أشعيا، نقرأ: "ها إن العذراء تحبل وتلدُ ابناً إسمه عمانوئيل"... صورة للولادة الجديدة ومشروع الربّ الخلاصي. وهذه الصورة تتردّد في كل الكتاب المقدس.

في العهد القديم كان تابوت العهد يرافق الشعب وكان أقدس ما عندهم لدرجة أنهم لا يجرؤن على لمسِه، كانوا يسيّرونه أمامهم في المعارك، ليدافع عنهم وكان يخيف الأعداء. ومريم نحن نسمّيها تابوت العهد.

نحن الشرقيون شعب عاطفي، عندما يسير الملك بالحروب أمام شعبه ويضعف، يضعف معه كل الشعب ويخسر، عندما تسير الملكة أمامهم يستشرسون في الدفاع وإن ضَعُفَت تزداد قوّتهم واندفاعهم. لهذا الشرقيون كانوا يضعون الملكة الأم في الأمام ويسمّونها جبّارة، لأنها تُحفّز عاطفيًا العسكر ليحارب. 

في ذاكرتنا التاريخية ما زال هذا الموضوع، املكة الأم لها موقع أساسي في حياتنا. مريم ملكتنا وأمنا، لا أحد يجرؤ أن يَمسّ أمّنا.

هي تابوت العهد، قديماً كان هو العرش الفارغ من الملكة وكأنه ينتظر ملكة. 

وأتت البشارة إلى مريم، "تحبلين وتلدين ابناً تسمّيه يسوع." 

سنة 586 قبل المسيح ولما دُمّرَ الهيكل إختفى تابوت العهد, وإلى اليوم لا أحد يعلم أينَ هوَ. بعد أن دُمّرَ الهيكل تمّت إبادة كل سلالة داود. ومتّى بأول إنجيله يعود ويُسلسل سُلالة دواد الملكية فقد عادت بمريم.

وقام هيرودس بردّة فعل قاسية وقتل كل الأطفال وهربت العائلة المقدسة بيسوع.

مريم بعد أن قبِلَت البشارة، قامت مسرعة إلى عند اليصابات وهناك صلّت مريم هذا النشيد الرائع من الكتاب المقدس بخبرتها. وقالت ها إن جميع الأجيال تطوّبني. كيف نفهم هذا وهي المتواضعة؟
قالت مريم هذا لأنّها فهِمَت بوحي الرّوح أنّها ستكون الملكة الأم، أمّ الكنيسة وسلطانة السماء والأرض.
وفي التقدمة عندما أبلغها سمعان الشيخ عن السيف الذي سيجوز في قلبها، لم يتزعزع إيمانها وبقِيَت ثابتة في وعد الربّ. 
وفي ولادة يسوع دخلت مريم بعلاقة استثنائية رائعة مع السماء لمّا انحنى الله والتقى قمّة البشرية، أعظم وأرفع مخلوقة لامَسَت الله. هي نقطة إلتقاء إسمها مريم. إختلطت بالله وصار ساكنٌ فيها. الله الجبّار، ضابط الكل، خالق الكل، إختبرته مريم. كل هذه الأحداث، ومريم تتأمل وتحفظ.

وفي عرس قانا، طلَبَت من يسوع أوّل آية، وهو أجابها: "ما لي ولك يا إمرأة."
إمرأة: في أول الكتاب المقدس، وإمرأة في أول البشارة، وإمرأة في الصليب، عندما أعطِيَت للتلميذ الذي يُحبّه يسوع، وهو نحن، أنا، أنت, كلّ واحدٍ منّا هو التلميذ الذي يُحبّه يسوع، وإمرأة ملتحفة بالشمس في آخر الكتاب المقدس. ثم مريم الملكة، الأم التي تقود الكنيسة وتتابع عمل الخلاص بعد موت وقيامة إبنها. مِن عُرس قانا نرى الحمل الحاضر، إلى رؤيا يوحنا في عُرس الحمل ومريم حاضرة، المرأة الملتحفة بالشمس.

مريم تابوت العهد، يقول يوحنا برؤياه، إنفتح هيكل الله في السماء وظهر تابوت العهد. أول الخلق سقطت المرأة الأولى، وفي آخر الكتاب المقدس، حواء الجديدة، أعادت عهد الحُب بين الله والانسان.
"روح الله يحلّ عليكِ وقوّة العليّ تظلّلُكِ" الله لم يكن يظلّل إنسانًا قبل مريم، كان يظلّل الخيمة، يظلّل تابوت العهد. ومع مريم صارت هي تابوت العهد.

نقرأ في 2صموئيل، عندما أرادوا نقل تابوت العهد إلى أورشليم، نقلوه أولاً إلى بيت عوبيدَ أَدومَ، بقِيَ هناك لمدة ثلاثة أشهر فيها حلّت البركات في هذا البيت. وداود عاد مسرعاً لنقله إلى أورشليم، وداود تهلّل ورقص... ومريم بقيت في بيت إليصابات ثلاثة أشهر، وحلّت البركات في بيتها، وتهلّلت اليصابات "من أين لي أن تأتي إليّ أم ربّي". مريم هي تابوت العهد.

في رؤيا 17، التنين الذي أغوى حواء الأولى غضبَ، وهو يشن حربًا على نسل المرأة الملتحفة بالشمس، كلّ نسل، أي كل مَن يؤمن بالله، أي نحن، أي الكنيسة.

مريم ليست إنساناً عادياً، هي إمرأة إستثنائية، مريم مخلوقة ونحن لا نعبُد أي مخلوق، نحن نعبُد الخالق، الثالوث الأقدس، لكن الجميل أن مريم هي قمّة المخلوقات، المكان الذي تلامس الله، أعلى مخلوق يُلامس الله. حملت الله وحمَلَت معهُ مشروع الخلاص.
مريم إذاً هي أمنا، ملكتنا، هي أمّ الكنيسة وسلطانة السماء والأرض.

وتاريخ مسيحيّي هذا الوطن مطبوع بحضور مريم ودورها المميّز. كانت حاضرة دائمًا في المحن والأزمات والخضّات، حاضرة في حرب نسلها مع التنين.

نحن شرقيون, بحاجة لأُمّ ملكة تقود الكنيسة نلتف حولها، تلمّنا كما لمّت الرسل، كانت حاجة أساسية مريم للموارنة وأطلقوا عليها كل التسميات ولها مزارات وكنائس في كل المناطق... لأنّها لعبت دوراً أساسياً في حياة المسيحيين المنعزلين في هذه المنطقة، كانت تلمّهم وتشجّعهم وترافقهم وتعلّمهم.

لكن اليوم، أين دور مريم بعائلاتنا وكنيستنا؟ 
في كنيستنا الصغيرة الذي هو البيت، العائلة، هل مريم هي الملكة الأم؟ هل هي التي تلمّ؟

كانت المسبحة والزياح والطلبة هي الأساس في صلواتنا. هل تعود المسبحة وتأخذ دورها الحقيقي في بيوتنا ولا نعلّقها للزينة. اليوم العائلات تتفكّك بغياب مريم، لأننا استغنينا عن مريم الملكة الأُم وتلَهّينا بأمور العالم، أو الأُم تلمّ أو تعُمّ الفوضى. مَن هناك أفضل منها ليُعلّمنا عن يسوع ؟

القديس شربل كانت له علاقة مميّزة مع مريم منذ صغره، كانت أم وملكة في عائلته، عمل لها عبادة خاصة ودخلَ في قلب سِرّ مريم الذي ربطه بيسوع. سرّ علاقته بمريم أوصله للقداسة. ونلاحظ أن كل قديسي الكنيسة بدون إستثناء كانت تربطهم علاقة مميّزة بمريم. دخلوا بسِرّ مريم ومعها سحقوا رأس التنين. مريم سرّ عظيم يُوصِل إلى قلب الله.

المرأة الملتحفة بالشمس، مكانتها ليست عادية في حياتنا، مار شربل سكر بالله، مريّم علّمته، السرّ المريمي أضاء له نور السماء. مريم لها دور أساسي بطرد الشرّ من بيوتنا ومجتمعنا. ماذا تقول لنا مريم اليوم: هل نحفظ يسوع، نتأمل به، هل نقتدي بها؟ مريم أم يسوع الملكة قمّة المخلوقات. القديس شربل يُشبِه مريم، قداسة صمت تأمل، القديسون ينظرون إلى السماء لا يتعثّرون بأمور الأرض.

مع مريم ومار شربل اليوم ندخل إلى أعماقنا ونفكّر بصُدق، دعوتنا اليوم أن نأخذ مريم إلى قلوبنا بيوتنا ومجتمعنا ونكون شعباً مريمياً، نترك مريم تعلّمنا يسوع ونترفّع عن السطحيات. 

لنواجه الشرّير، نحن بحاجة ليسوع وروحه القدوس فينا ومريم معنا. المُهِم أن تكون علاقتنا مع مريم ليست عبادية طقسية سطحية، لكن علاقة جديّة. من كان للعذراء إبناً، لن يهلك لأنه سيكون أخ ليسوع.

نسأل الله أن يحفظ كنيستنا ويقدّسها ويحفظ شعبنا ويحفظنا ويقدّسنا، نحن اليوم بأمسّ الحاجة لمريم. 

مع مريم ومار شربل لا نخاف، فلنُعمّق علاقتنا بِهِم ليأخذونا بخطىً ثابتة صوب قلب الآب لنكون قديسين. نشكر مريم ومار شربل لحضورهم في حياتنا وتنبيهاتهم الدائمة بأن درب الرّب طلوع. الشيء الوحيد الذي ممكن أن يأسف عليه الإنسان هو أن لا يكون قدّيساً.

السؤال: ونحن اليوم عيلة مار شربل، هل نقتدي بالمسيح أولاً، هل نقبل مريم أفضل معلّمة. هل نسعى حقّاً للقداسة؟  فلنقف نعيد حساباتنا: أين هوَ موقع مريم في حياتنا، كيف نواجه التنين؟.