هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها - الخوري انطوان بشعلاني

Maronite-Church

إنّ العناصر التي تكوّن هويّة الكنيسة المارونيّة ودعوتها ورسالتها، تؤلّف مجتمعة التراث الحيّ الذي يعطي الكنيسة المارونيّة خصوصيتها ضمن الكنيسة الجامعة في عيش سرّ الخلاص بيسوع الميسح والشهادة له في النطاق الإنطاكي وبلدان الانتشار.
الكنيسة البطريركية المارونية هي قبل كلّ شيء تحقيق لسرّ الكنيسة الواحدة، الجامعة، المقدّسة، الرسوليّة، في البيئة الخاصّة التي دُعوا إن يشهدوا فيها على إيمانهم الرسولي وقيمهم الإنجيليّة.
العودة إلى التراث المشترك بين الكنائس الأنطاكيّة والسريانيّة هو، بالنسبة للكنيسة المارونيّة، التزام مسكوني يسهم في استعادة كنائسنا الشركة التامّة بيننا.

العناصر الأساسيّة لهويّة الكنيسة المارونيّة:

1-  كنيسة انطاكيّة سريانية ذات تراث ليتورجي خاص:
تكوّنت الكنيسة المارونيّة ضمن الكنيسة الأنطاكيّة التي نشأت من تبشير الرسل، وحيث دُعيَ التلاميذ لأوّل مرّة مسيحيّين. امتازت الكنيسة الأنطاكية بعيش الوحدة في الإيمان والشركة ضمن إطر التعدّديّة. ويُعتبر الأنطاكي من أغنى التراثات وأعمقها.
في أنطاكية، عرفنا أول لاهوت للكنيسة المحليّة التي تظهر وحدتها وجامعيّتها وتحقّقها بالاحتفال الإفخارستي الذي يرأسه الأسقف أو مَن ينتدبه هو لهذه المهمة.
وتنتمي كنيستنا الأنطاكيّة المارونيّة إلى عائلة الكنائس ذات التراث السريانيّ الذي أغناه أباء السريان الذين عبّروا عن إيمانهم بلغة قريبة من الكتاب المقدّس، فنظموا الصلوات الشعريّة أمثال مار أفرام ويعقوب السروجي وغيرهم، وما زلنا حتى اليوم ننهل من هذه الروحانيّة العميقة والتي حملت أيضاً طابعاً مريمّيّاً.

2-   كنيسة خلقيدونيّة: 
هي كنيسة تواصل الأمانة لسرّ التدبير الخلاصي تبعاً لقانون الإيمان الذي حدّده أباء المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونيا سنة 451. ويعلّم هذا القانون أنّ المسيح هو في طبيعتين كاملتين، إلهيّة وإنسانيّة، متحّدتين بشخص يسوع المسيح، وأنّ تمايز الطبيعتين يظلّ قائماً بعد تلك الوحدة. وبهذا تأكيد على إنسانيّة السيّد المسيح وحقيقة التحسّد والخلاص.
وتعبّر ليتورجيتنا المارونيّة بشكل بليغ عن مفاعيل سرّ التجسّد في حياة الإنسان حين يردّد في القدّاس: "وحّدتَ يا ربّ لاهوتكَ بناسوتنا وناسوتنا بلاهوتكَ، حياتكَ بموتنا وموتنا بحياتكَ. أخذتَ ما لنا ووهبتنا ما لكَ لتُحييَنا وتخلّصنا، لكَ المجدُ إلى الأبد". تعي الكنيسة المارونيّة في ضوء تاريخها الطويل أنّ إيمانها بسرّ التجسّد، وفق الصيغة الخلقيدونيّة، أسهَمَ في تكوين روحانيةّ مارونيةّ متجسدّة في بيئتها اللبنانيّة والمشرقيّة. من هنا، الكنيسة المارونية مع شركائهم في المصير من أجل ترقّي الإنسان، كلّ إنسان، ليستعيد، بيسوع المسيح، الكلمة المتجسّد، كرامته وصورة الله فيه.

3-  كنيسة بطريركيّة ذات طابع نسكي ورهباني:
نشأت البطريركية الأنطاكية السريانية المارونية في كنف دير مار مارون في بداية القرن الثامن. وقد برز الموارنة جماعة كنسيّة مستقلّة ضمن الكرسي الأنطاكي، واتّسموا بطابع نسكي ورهباني مميّز أثَر في روحيانيتهم وتنظيمهم الكنسي.
تعتبر كنيستنا القديس يوحنّا مارون الذي كان راهباً في دير مار مارون ومن ثمّ رئيساً عليه، أوّل بطريرك أنطاكي على الموارنة، وقد افتتح سلسلة من البطاركة – الرهبان استمرّت من دون انقطاع حتى القرن السابع عشر بحيث كانت الحالة الرهبانية ملازمة للخدمة الاسقفيّة او البطريركية في كنيستنا.
إنّ أساس البطريركية المارونية النسكي والرهباني جعل من الكنيسة المارونية عبر التاريخ، جماعة ديريّة كبيرة هي رعيّة البطريرك، رعيّة تمحورت حول دير الكرسي البطريركي، ورأت في الجالس على هذه الكرسي "الأب والرئيس" والحافظ لوحدتها.
الحياة الرهبانيّة هي بمثابة موهبة إنجيليّة مؤسّسة كوّنت كنيستنا وطبعتها عبر التاريخ.

4-   كنيسة في شركة تامة مع الكرسي الرسولي الروماني:
إن الشركة الرومانيّة عنصر أساسي وعريق في هويّة كنيستنا المارونيّة ودعوتها ورسالتها، وهي تعطي الكنيسة المارونيّة دوراً مسكونيّاً خاصة في هذه المنطقة، وهي أيضاً نموذجاً متواضعاً لاستعادة الوحدة في الكنيسة الجامعة من خلال الشركة التامة بين الكنائس.
أصبح الموارنة، جزءاً من الكنيسة التي يرعاها أسقف روما، مع المحافظة على قدر كبير من طقوسهم الليتورجيّة وتنظيمهم الكنسي.
هذا الانفتاح على الغرب والإفادة من مقدّراته العلميّة والفكريّة أسهم في بلورة هويّة لبنان الفريدة القائمة على التعدّديّة الثقافيّة.
وقد كان للشركة بين الكنيسة المارونيّة والكرسي الرسولي تجلٍّ واضح في المجامع المنعقدة وخاصّة سينودس الأساقفة من أجل لبنان (1995) والذي كلّل بالإرشاد الرسولي: "رجاء جديد من أجل لبنان" (1997).

5-  كنيسة متجسّدة في بيئتها اللبنانيّة والمشرقيّة وفي بلاد الانتشار:
إنّ مسألة علاقة الموارنة ببيئتهم تحملنا على التأمل في الرباط العضوي بين كنيسة الله والبيئة التي تتجسّد فيها مع العلم أنّ ملكوت المسيح ليس من هذا العالم. فالله أقامنا شهوداً عليه في هذا العالم.
إنّ الحضور الماروني لم يعد يقتصر على النطاق البطريركي الأنطاكي، بل ليشمل بلدان العالم.
الكنيسة المارونيّة هي صاحبة رسالة محورها الإنسان وكرامته. لم تشأ البطريركيّة المارونيّة لبنان يوماً وطناً مسيحيّاً بل وطناً لجميع أبنائه.
تنبع رساليّة الكنيسة من سرّ التدبير الخلاصي الذي هو عمل الله الآب والابن والروح القدس، من أجلنا ومن أجل خلاصنا.
إنّ دعوة الكنيسة الرساليّة لا تنفصل عن دعوتها المسكونيّة القائمة على الإيمان الرسولي والمحبّة لله وللقريب.

عنايا - الجمعة 8 كانون الأول 2006