"ما أصَعْبَ هذا الكَلامَ ، مَنْ يُطيقُ سَمَاعَهُ؟"(يو 6 / 60)

مَن يطيق أن يسمع هذا الكلام؟

لا يمرّ كلام الله مرورًا عاديًا على أذن الإنسان، فهو يترك دائمًا أثرًا في قلبه وضميره وكيانه فيتفاعل معه الإنسان إمّا إيجابيًّا فيبنيه ويعطيه الحياة ويُدخله في المنطق الإلهي، وإمّا سلبيًّا فيخلق في داخله اضطرابًا لا يهدأ إلاّ بالعودة إلى التناغم معه والعيش بموجبه.

ما مشكلة الإنسان مع كلام الله؟ فمنذ بدء الخليقة شكّل كلام الله جدليّة في حياة الإنسان، فالمنطق الإلهي غالبًا ما يصطدم مع المنطق البشري، لذلك يلقى كلام الله مقاومة من الإنسان. فكلام الله يدعو الإنسان إلى الخروج من ذاته البشريّة وتخطّي هذه الذات لبلوغ المستوى الإلهي الذي خلقه الله من أجله. بينما يفضّل الإنسان بحسب غرائزه أن يستقرّ في ذاته ويرتاح بما هوَ عليه ساعيًا وراء الإكتفاء بإرضاء حواسه معتقدًا أن فرحه وسعادته في هذا الاستقرار. فتأتي كلمة الله لتنشله من استقراره المريح إلى عالم آخر أعظم وأكبر ممّا يستطيع الإنسان أن يُدركه في عقله، فيحاول التهرّب أو المقاومة أو الرفض، ويسعى إلى العودة إلى الاستقرار المنشود ليرتاح.

هذا ما حصل مع الأنبياء والرسل والتلاميذ وما يحصل معنا أيضًا عندما نسمع كلام الله. فأحيانًا كثيرة لا نطيق أن نسمعه فهو يهزّ كياننا ويخربط حياتنا.

فإبراهيم وموسى وإيليا وأشعيا وإرميا... وداود وسليمان ومعظم الأنبياء، كان لكلام الله وقعًا مزلزلاً في حياتهم فكانوا يجدون صعوبة في تقبّله وصعوبة أكبر بنقله إلى العالم. "فمن يطيق أن يسمع هذا الكلام؟" فهو يأتي بعكس ما تشتهيه طبيعتنا البشريّة.

 

 

من يطيق أن يسمع هذا الكلام؟

ولكن كما قال بطرس ليسوع: "إلى مَن نذهب يا ربّ وكلام الحياة الأبديّة عندَكَ؟"

فكلّ إنسان يسعى الى الحياة الأبديّة ويريدها ويعرف في قرارة نفسه أن الحياة الأبديّة هي في كلمة الله. فرغم مقاومته لهذه الكلمة يسعى الإنسان إلى التفاعل معها والدخول في منطق الله.

مريم العذراء هي مثالنا الأعلى في قبول كلمة الله والتفاعل معها. فقد كانت كلمات الملاك لها صعبة، كبيرة، فوق الإدراك البشري. فمن يستوعب الحَبَل الإلهي؟

ثم كلمة سمعان الشيخ لها: سيجوز سيفًا في قلبكِ. كلام مؤلم ومن يطيق أن يسمعه؟ ثم في عرس قانا: "ما لي ولكِ يا إمرأة.. ثم "مَن أمّي وإخوتي؟...

كلام صعب لا نفهمه إلاّ عندما ندخل في منطق الله، كما فعلت مريم.

كيف ندخل في منطق الله لكي نستطيع أن نطيق كلامه ونسمعه ونعيشه ليعطينا الحياة.

أولاً بالصلاة. بالدخول في علاقة مع الله ومحادثة دائمة معهُ بواسطة روحه القدّوس الذي يفهّمنا منطقه فنصير نحبّ كلمة الله ونحيا بها.

ثانيًا بالتواضع. التواضع التام في الإنسحاق. فالتواضع المريمي هوَ الذي يجعل كلمة الله تنفذ إلى أعماقنا وتفعل فعلها في تحويلنا، لأنّ الكبرياء هو الذي يقاوم كلمة الله ويمنعها من التفاعل معنا، فتصبح كلمتنا هي الأقوى في حياتنا وكلامنا البشري لا يعطينا سوى السطحيّة ويُبقينا سجناء طبيعتنا الزائلة.

فبالصلاة والتواضع تصبح كلمة الله موسيقى لآذاننا وحياة لنفوسنا فتُعطينا فرحًا حقيقيًّا لا ينتزعه أحد منّا، وتحوّلنا إلى صورة حقيقيّة عن الله فيصبح كلامه ووصاياه دستور حياتنا فنصبح أبناء حقيقيّين للآب بالربّ يسوع المسيح كلمته بقوّة الروح القدس.

عندها مَن يطيق أن يسمع كلامنا في هذا العالم؟

فلنحفظ كلام الله ونتأمّل به دائمًا ونعيشه كما فعلت مريم ونبشّر به كما فعل الرسل والتلاميذ لأنّه كلام حياة لهذا العالم المنحدر إلى الموت.

من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
"التزموا إلتزام كامل بالكنيسة وبكلّ تعاليمها، وثابروا على الصلا بدون ملل. كرّموا أمّنا مريم العدرا، وتسلّحوا بالمسبحة، لأنّو إسم مريم العدرا بيبدّد الظلمة وبيسحق الشرّ."

صلاة: "أمي يا أمي أهديك ذاتي قلبي وروحي حبي حياتي عانقي فرحي وجراحاتي واحملي دومًا للرّب صلاتي."

 ريمون ناضر – أيار 2015