"أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16 / 18)

"أبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16 / 18)

نؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة. إنّ إيماننا بالكنيسة جزء لا يتجزأ مِن إيماننا بالآب والإبن والروح القدس هذا ما نتلوه في قانون إيماننا.

أراد الله توحيد البشريّة جمعاء بالمحبّة تحت رأس المسيح، فالكنيسة هيَ إذاً جماعة متّحدة بالمحبّة يَجمَعها الروح القدس كجسد واحد رأسه المسيح وتدخل بشَركة المحبّة هذه مع الله الثالوث الأقدس. الكنيسة هيَ يسوع المسيح الموجود بشكل جماعة.

فالكنيسة ليست هرميّة سُلطة ورجال إكليروس فقط كما يعتقد معظم النّاس بلّ هي حضور المسيح الحيّ في هذا العالم، والهرميّة ليست إلّا للخدمة والمسؤوليّة وسُلطان القرار الذي أولاه المسيح لرُسُله.

منذ إنطلاق الكنيسة يوم العنصرة وهيَ تتعرّض بشراسة لهجمات الشرّير الذي يسعى دون مهاونة لتمزيقها وتقسيمها لإضعافها. فواجهت التحدّيات الكثيرة منذ مجمع أورشليم سنة 49 ثم مع  آريوس ومقدونيوس ونسطور حتى المجمع الخلقيدوني سنة 451 بسبب تفسير بعض رجال الكنيسة للعقائد الإيمانيّة كما يريدون.

فكانت المجامع تُعقَد لحسم أمور العقيدة ومواجهة الهرطقات أو سوء الفهم الناجم عن سوء تفسير بعض العقائد.

سنة 1054 كان الإنشقاق الكبير بين الشرق والغرب الذي مزّق جسد المسيح إلى عدّة أقسام، ثمّ جاء ما يُسمّى بالإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر يُمزّق جسد الكنيسة في الغرب إلى عشرات آلاف الكنائس المستقلّة التي لا مرجعيّة لها سوى نفسها، وكلّ كنيسة تُفسّر العقائد على هواها وبما يُناسبها. فزاد المسيحيّون على آلام المسيح آلاماً إضافيّة بسبب إنشقاقاتهم وكبريائهم الذي يحرّكه الشيطان بإستمرار.

ولكن رغم كلّ ذلك ورغم التمزّق الشديد بجسد المسيح فما زالت الكنيسة بألف خير بفضل عمل وقوّة الروح القدس فيها: فما زالت تُبشّر وتُعمّد وتتلقى توبة الخاطئين وإرتداد الكثيرين ويسقط لها الشهداء في كلّ أنحاء العالم ودماؤهم تُزهر وتغذّي البشارة.

إنّ أبرز التحدّيات التي تواجه الكنيسة اليوم هي:

1.تحدّيات في الإيمان:

موجة تشكيك وإلحاد كبيرة في العالم  -  تأليه العِلم الذي يعتبره الكثيرون هو المرجع رغم فشله الدائم في إدراك الله  -  روحانيات الشرق الأقصى التي تريّح نفسيّة الإنسان ولكنّها تهدم روحه -   موجة اللاأدريّة Agnosticism التي هي اللامبالاة تجاه الله.

2.تحدّيات عقائديّة:

التساهل في العقيدة والإستهتار والميوعة (أيش عليه؟) -  تفادي شرح العقيدة لتجنّب المواجهة - التيارات النفسيّة التي تفرّغ الشحنات النفسيّة وتلعب على عواطف الناس وأحاسيسهم.

3.تحدّيات الأسرة:

تواجه العائلة تحدّيات عظيمة، وتحدّيات العائلة هي تحدّيات الكنيسة فإذا دُمّرت العائلة تُدمّر الكنيسة - المشغوليّة المدمّرة: الكلّ مشغولون والتواصل شبه مقطوع - تغذية الأنانيّات: الإهتمام بالشكل، النجاح، الشهرة، الكسب المادّي، الفرديّة...

4.تحدّيات في السلوك:

الإستهتار والإباحيّة ومسايرة العالم بسلوكه - الإزدواجيّة في التصرّفات - عدم الأمانة والكذب لتسيير الأمور في العالم - الرياء والخبث وتمثيليّات التقوى والعبادات - قلّة الإحترام وقلّة الخشوع أمام المقدّسات وقلّة الحشمة والتهذيب في السلوك.

5.تحدّيات في الطقوس الكنسيّة:

التفلّت من الإلتزام في الطقوس كما نظّمها الآباء القدّيسون، فكثير من الكهنة والعلمانيّين يتصرّفون كما يشاؤون وكما يحلو لهم في الليتورجيّة - ومن جهة أخرى تزمُّت وتصلُّب بتنفيذ الطقوس عند البعض الآخر الذي يجعل من الليتورجيّة مسرحية صلبة جامدة ممنوع أي تحرّك مِن قِبل المشاهدين الذين لا يشاركون فيها. - بعض الإحتفالات الليتورجيّة التي تحوّلت إلى حفلات وهَرج ومَرج، أصبحت خالية من أي وقار ورهبة وإحترام.

الحلول لهذه التحدّيات:

حاجة إلى كهنة وخدّام ورهبان وراهبات مُخلِصين، مُصلّين يعيشون ويشهدون بالكلمة والمسلك. - التعليم المسيحي العميق والراسخ بشكل أن يصيب هدفه بالتعامل مع تحدّيات العصر (تكوين الأسرة مثلاً والزواج)  -  شرح تفاصيل الإيمان: القداس، الأسرار، الصلوات -   برامج للعائلات لمساندة العائلة وتقويتها ومرافقتها - إستخدام وسائل التواصل بشكل فعّال وقوي للبشارة والتعليم - المراجعة الدائمة والإصغاء بتواضع لمشاكل الشبيبة والفتيان والأطفال والأزواج ومواكبتهم.

تواجه الكنيسة اليوم نظاماً عالمياً جديداً يتوجّه نحو إستعباد الإنسان وإستعماله من قبل حكومة عالميّة واحدة تسيطر على كلّ مقدّرات العالم وتستهلك الإنسان وتُخضعه لقوانينها التي تخدم مصالحها فترسم وتُشرّع كما تشاء من أجل إستعمال الإنسان.

وتتصدّى الكنيسة لهذا المشروع الذي يدمّر الإنسان وينتهك كرامة البشريّة وقداسة الكائن البشري، لذلك تواجه كنيستنا الهجمات الشرسة والإضطهادات لتدميرها لأنّها الحاجز الوحيد في وجه هذا النظام.

نحن نؤمن إيماناً ثابتاً وراسخاً أنّ الله حاضر في الكنيسة التي رأسها المسيح ونحن أعضاء جسده ويعمل فيها الروح القدس ليَجعل منها حضور الله في هذا العالم. نحبّ كنيستنا ونفتخر بها ونغار عليها ونحترم جميع المسؤولين فيها ولا نشارك في حملات التشهير ضدّها أو ضدّ أي مسؤول فيها بل نعمل بجهد على إصلاح ما يفسد بهدوء ومحبّة.

فالتشهير يهدم ولا يفيد بشيء لكن إصلاح الفاسدين بمحبّة (وكلّ ضمن مسؤوليّاته ومكانته) يبني الكنيسة، فبَدَل أن نزيد آلام المسيح آلاماً، فلنشترك معه في آلامه ونكمّل بأجسادنا ما نقص منها.

إنّ الكنيسة سفينة ضخمة جبّارة يقودها الروح القدس وتواجه العواصف والأمواج ولكن أبواب الجحيم لن تقوى عليها. هكذا قال الربّ يسوع وكلامه حقّ وروح وحياة وحرف منه لا يزول.  

صلاة:
"يا يسوعي الحبيب، أتوسّل إليك من أجل الكنيسة بأسرها، إجعلها تشترك في حبّك وبإلهامات روحك القدّوس حتّى تنتصر على أعدائها المنظورين وغير المنظورين. أعطي كهنتك كلامًا من نار حتّى ترتدَّ القلوب الأكثر صلابة وضلالاً فترجع إليك. يا ربّ، أعطنا كهنة قدّيسين وثبّتهم في دعوتهم ولترافقهم قوّة رحمتك اللامتناهيّة أينما ذهبوا وإحفظهم من مكايد الشيطان الذي يهدّد بدون إنقطاع تلك الأنفس.

بارك الأب الأقدس البابا وكلّ الإكليروس... يا سيّدي، إسحق بقوّة رحمة قلبك الفائقة كلّ ما بإمكانه أن يشوّه تقديس كهنتك وإعاقتهم لأنك قادرٌ على كلّ شيء". آمين.

(القديسة فاوستين)

مع ريمون ناضر – تشرين الثاني 2017