"فنّ حلّ النّزاعات" مع ريمون ناضر – كانون الثاني 2015
نصل الى موضوع حل النزاعات بعد أن تأمّلنا بفن التواصل والحوار.
النزاعات في العائلات وبين البشر شيء طبيعي جدّاً وصحّي. لأن الناس مختلفين ومتنوعّين، فلا بدّ إذاً من النزاعات. وكل نزاع يُعالَج بشكل جيّد يُقوّي العلاقات وخاصة العلاقة الزوجيّة. أمّا إذا عُولِجَ بشكل خاطئ فيؤدّي إلى مشاكل أكبر وانفصالات، ولا يُعطي ثمارًا صالحة.
عند الشرقييّن، العواطف تلعب دوراً رئيسيًّا في النزاعات.
مثلاً: نزاع بين شخصين على برتقالة، فيفضّوا النزاع بأن يقتسمونها. أحدهما استعملها للعصير ورمى النصف، والآخر أخذ القشرة لصنع الحلوى ورماها. وهكذا حُلّ النزاع بطريقة خاطئة أدّى إلى هدر البرتقالة.
أولاً نحن كمسيحيّين، لا ننظر إلى النزاعات نظرة العالم. إن كنّا حقّا مسيحييّن، فيجب أن نعي كلّ الوقت الإقتداء بالمسيح في كلّ ما نعمل، أي أن يكون كلّ شيء لمجد الله.
نتأمل بمريم ويوسف. عاشا نزاعًا. كيف تعاطى يوسف مع الموضوع...
مثل آخر: الإبن الضال. نزاع بين الأب والإبن، كيف تعاطى الوالد مع هذا النزاع، أترك لكم هذين المثلين للتأمل.
الربّ يسوع كان يتعاطى مع النزاعات بحكمة ومحبة وهو النور الذي منه نستمد لحل نزاعاتنا.
وكل حل نزاع في حياتنا يجب ان يهدف إلى البناء.
هناك خمس طُرُق أو وسائل للتعاطي مع النزاعات:
1: تجنّب النزاع أو تجنّب حلّ النزاع: هو الإنسحاب وإهمال الموضوع، هذه طريقة فاشلة تؤدي الى تضخّم النزاع مع الوقت.
2: الإستيعاب: نستوعب لأننا لا نريد أن نخسر الآخر، نفضّل الإبقاء على العلاقة ونتنازل عن الحاجة التي هي سبب النزاع.
3: المواجهة: وهذا يصير بالإعلان عن الحاجة عند الطرفين لكن في النهاية أحد الطرفين يحسم الموضوع، أي واحد يكسب على الآخر.
4: التعاون: وهذا يصير بالجلوس معًا، طرح المشكل وإيجاد الحلّ بأن يكسب الطرفين دون مساومة ولا ضغط. حلّ يبني الطرفين.
5: المساومة: أي عطاء مقابل شيء ما. تقديم تنازلات. وهذه طريقة سيئّة لا تلبّى بها الحاجات. الضغط لا يبني.
لكن ما نريده نحن هو البناء. هذه الطرق الخمس بكلّ مكان في حياتنا نستعمل واحدة منها في نزاعاتنا، ونتّكل أيضًا على عامل الوقت الذي يفيد جدّاً في النزاعات، لكن أفضل طريقة لنا كشرقيين مسيحيين لحلّ نزاعاتنا هي كالتالي:
أولاً: نعترف بأن هناك نزاعًا، نواجهه. لا نكبته في داخلنا ولا نفجّره.
ثانياً: نحضّر إطارًا مناسبًا ينفّس الإحتقان، للجلوس والتكلّم بموضوع الخلاف. لأن المشاعر تتدخل بقوّة في نزاعاتنا.
ثالثاً: الحوار. نستجمع معلومات لنحاور بها، نضع أنفسنا مكان الآخر، لنفهم من وجهة نظره للأمور.
في المسيحية كل آخر، قريب أو حبيب أو زوج أو زوجه هو مرآة لي.
فإن أظهرت ليَ المرآة ضعفي وخطيئتي، لا أكسر المرآة، بل أُصَحّح نفسي وهكذا الشريك.
وهذه المرآة هي نعمة كبيرة في حياة الإنسان، فالعلاقات الحقيقية النظيفة الصادقة هي المرآة التي أرى بها حقيقتي، لا لأتصرف بردّة فعل عليها بل لأشكرها وأعمل على بناء نفسي.
إذًا في الحوار من المهم جدًا أن نقف، نسأل الآخر رأيه، نسمع، نُصغي نرى كيف يفكر. القوي هو الذي في النزاع لا يقف موقف الدفاع عن النفس، بل يعترف ويقصد البناء من جديد.
من المهم ان أرى مشكلتي ومشكلة الآخر أيضًا. ومعًا نضع إصبعنا على الجرح، معًا نجد حلاً للمشكلة التي جلسنا معاً لنعالجها، لا نستغل الجلسة لفتح ملفات قديمة ونبش القبور. نجمع كل الحلول الممكنة، وننفتح على الحلول ونتفق على ما يبني الطرفين. ثم نعمل متابعة وصيانة للموضوع.
هذا بالنسبة الى أمور الحياة اليومية. أمّا بموضوع الخطيئة فهذا أمرٌ آخر.
لأني مسيحي، أقرّ وأعترف بأنّ الخطيئة من جبلتي، وكما يخطأ شريكي أخطأ أنا أيضاً.
وكما أغفر اليوم، أنا غدًا سأكون بحاجة بدوري للغفران.
في حال الخطيئة، كيف أواجه:
لا للغضب، فهو يصير بطرق ثلاثة، أو أفلته فيدمّر، أو أكبته فيؤثر على كل حياتي فيوقعني في التقوقع والحزن والضعف الإجتماعي والنفسي، أو أتصارع معه فيتعبني. يبقى الحل الأفضل، الإعتدال. سرّ بالسرعة المناسبة، عالج بإعتدال.
وهذا يصير بالتحلي بفضائل ثلاثة: الحكمة والصبر والتواضع.
ولماذا التواضع، لأننا نحن الشرقيين لا نقبل الخسارة، لا نقبل أن نغفر، في داخلنا رغبة بسحق الآخرين. إذًا التواضع هو الذي يجعلني أقرّ بأنّي أنا أيضًا خاطئ وناقص، وهذا التفكير يؤدي الى قبول الآخر والتعاطي الأفضل مع الخطيئة.
فقبل ان أدخل النزاع يجب ان أبني في داخلي الرغبة الدائمة في المسامحة والغفران وهذا كلّه ليس من عندي بل أستمدّه من يسوع فكلّما اقتربتُ منه امتلأتُ من فضائله وكلّما بعدتُ عنه يقوى عليَّ غضبي وحقدي.
إذًا أقرّر أن أغفر أقرّر أن أحبّ. وما معنى أن أحبّ.
عندما يقرر شاب وفتاة الزواج، فهذا إجمالاً يكون نتيجة حبّ. أحبّها، أختارها، فهو أو هي اختار ما يناسبه، ما يلبّي حاجاته، إختارها له. أحبّها لهُ. أنتَ لي، انتِ لي.
لكن لله مشروع آخر، اختار لكَ هذا الشريك ليكون مرآتكَ، ليبنيكَ وتبنيه ومعًا تبنون ملكوت الله.
بعد الزواج يكتشف الانسان بالآخر أمورًا كثيرة لم يكن يعرفها ولا اكتشفها قبل، ماذا يعمل هل يتراجع؟ هذه سخافة. إذاً أنتَ تختار لحاجاتكَ، الله يختار لقداستكَ.
الذي يجب ان نراه في علاقاتنا هو ما يريده الله وليس ما نريده نحن.
الخلافات إذاً هي مفيده في العلاقات، لأنها تكشف ضعفي، تكشف نقصي وقلّة محبّتي، تكشف قلة إحتمالي وقلّة صبري وتواضعي. والغفران، كلّنا بحاجة للغفران. والرّب يسوع هو مَن يعطي القدرة الأساسية على العفران.
إن سَكَنَ فينا المسيح كَبُرَت قدرتنا على الغفران وكبرنا. كبُرَت قيمتنا فالغفران يولّد فينا المحبّة الإلهية.
والصلاة، قبل البدء بحلّ أي نزاع، علينا بالجلوس والصلاة معًا. بمجرد أن نفعل هذا، نعالج نصف المشكل.
ولا تدعوا النزاعات تتراكم. وتستحضروها، وكلمات مدمرّة للزوجين لا تستعملوها: "كل مرّة" و "ولا مرّة". فلنركّز على الحدث ونعالجه، ونتخلّص من الرغبة في تحطيم الآخر.
كل شيء نعمله مع يسوع، فمعهُ نعمل للبناء، أمّا بدونه فخراب في حال الخطيئة.
بعد الصلاة، المصارحة والصدق، والوصول إلى القرارات المناسبة. يُختَم المشكل بالشمع الاحمر. لا نعود ننبشه عند أي مشكل آخر. نبش الماضي والخطايا هو من عمل الشيطان. عندما نسامح ونتسامح لا نعود أبدًا إلى التذكير بالخطايا السابقة.
هذه الحياة لا يجب أن نعيشها بغضب... ضَع يسوع بداخلكَ وواجه، فكل الأمور لها حلول، ومعه نكبر ونبني ملكوت الله.
من الإختبارات:
أنظر لخيّك الإنسان نظرتك لذاتك. وكلّ شي بتشوفو بخيّك الإنسان فيه منّو فيك، لأنّو كلّ إنسان هو إنت مع شويّة فروقات.
صلاة: أيها الربّ يسوع يا إبن الله الحيّ أغفر لي أنا الخاطىء وخلّصني. (3 مرّات)